فضل بن سعد البوعينين
تبقى أرقام الميزانية ذات أهمية قصوى للمواطنين، والقطاع الخاص، لانعكاسها المباشر عليهم، وعلى حياتهم المعيشية واستثمارات القطاع الخاص، غير أن الأكثر أهمية هو حصافة الإدارة المالية والاقتصادية ودينامايكية حركة الحكومة في مواجهتها الأزمات غير المتوقعة والمؤثرة على الإيرادات وبالتالي الإنفاق العام. متغيرات مهمة قد تتسبب في مشكلات عميقة ومستدامة للاقتصاد ما لم يتم التعامل معها بكفاءة، خصوصًا أن أرقام الميزانية تعتمد التقدير، ما يعني إمكانية عدم تحققها لمتغيرات الدخل أو الالتزامات المفاجئة في الأزمات.
جائحة كورونا وأثرها على صحة الإنسان والاقتصاد والإيرادات الحكومية من أهم الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها للتأكيد على أهمية التحرك الحكومي للتعامل معها والحد من تداعياتها، وإدارة الأزمة. تسببت جائحة كورونا في انهيار أسعار النفط بأكثر من 55 % وبالتالي انخفاض الدخل الحكومي الذي بنيت عليه أرقام ميزانية 2020، إلا أن القيادة تعاملت مع الأوضاع الطارئة بحكمة من جوانبها الصحية والمالية والاقتصادية. اعتمدت الحكومة خطط التحفيز التي فاقت 214 مليار ريال، لحماية القطاع الخاص، وخفض تداعيات الجائحة على الاقتصاد، وضخ البنك المركزي ما يقرب من 100 مليار ريال في القطاع المالي، وتحملت الحكومة أجور العاملين السعوديين في القطاع الخاص لحماية الوظائف، واستمرت في تقديم برامج الحماية الاجتماعية، برغم انخفاض الدخل الحاد وعدم وضوح الرؤية المستقبلية ذات العلاقة بالجائحة والاقتصاد، وأهمية سياسة خفض الإنفاق التحوطي.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته بمناسبة إعلان الميزانية؛ إلى الجائحة التي مر بها العالم ووصفها، بـ «غير مسبوقة» وأن « المملكة لم تكن بمعزل عن آثار الأزمة في جانبي المالية العامة والاقتصاد» وهذه حقيقة ينبغي التمعن فيها لقياس حجم العمل الذي قامت به المملكة للحد من تداعيات الجائحة وحماية صحة الإنسان، المقيم والمواطن، والاقتصاد الوطني. إنفاق 1068 مليار ريال في 2020 ليس بالأمر السهل مع انهيار أسعار النفط وانخفاض الدخل الحاد، إلا أن حماية الإنسان والاقتصاد والقطاع الخاص والوظائف كانت أولوية حكومية، لذا تبنت سياسة توسعية في الإنفاق لضمان الحد من تداعيات الجائحة.
وبالرغم من عدم وضوح الرؤية المستقبلية لجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية وتأثيرها على أسعار النفط وبالتالي الدخل والميزانية العامة، إلا أن هناك إصرارًا حكوميًا على مواصلة الإنفاق وإعطاء الأولية لصحة المواطنين والمقيمين وتحفيز النمو الاقتصادي ودعم القطاع الخاص والمحافظة على وظائف المواطنين وتنفيذ مشروعات الإسكان، والمشاريع التنموية، وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين.
اعتماد إنفاق 990 مليار ريال العام 2021 يؤكد النهج التوسعي للإنفاق، من أجل التعامل الحذق مع مرحلة التعافي الأكثر أهمية لتجاوز الأزمة، برغم عدم وضوح الرؤية المستقبلية وإمكانية استمرار الجائحة وتأثيراتها على صحة الإنسان والاقتصاد. استعادة النمو وحماية الإنسان هو شعار ميزانية 2021 التي ستركز بحسب ما ذكره ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على «ما يسهم في تحفيز ومساندة الأنشطة الاقتصادية، وإيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين، مؤكداً الاهتمام بالحماية الاجتماعية، والمشاريع التنموية، وبرامج تحقيق الرؤية».
نجحت الحكومة في العام 2020 بإدارة الأزمة بكفاءة عالية، واتخذت تدابير صحية ووقائية لحماية صحة الإنسان وتدابير مالية واقتصادية للحد من تداعيات الجائحة على الأنشطة الاقتصادية، في الوقت الذي ستركز فيه على تعزيز النمو وضمان التعافي في 2021 وهو ما بنيت على أساسه أرقام الميزانية.