مها محمد الشريف
لا ندعي بأننا سنأتي بجديد في موضوع أردوغان تركيا، فهناك الكثير من المعلومات والتقارير عن سياسة أنقرة التي تنتهجها، وكلها متشابهة، ولها تقريباً التقسيمات نفسها وتعالج أطماعها بنفس الطريقة، ولذلك، فهي تلعب دوراً مهماً ومحورياً في تحريك الفوضى وتنشيط الصراعات التي عرفها الواقع.
ومن بين هذ السياسات المختلفة، يمكن الإشارة إلى القصة التي رواها ذلك الصحافي الصومالي عبدالقادر حسن، كان يعلم بالضبط عما يبحث ذلك الدخيل حيث قال إن أردوغان يسعى إلى «تتريك الصومال» عن طريق تغيير أسماء شوارع ومؤسسات ومرافق حيوية من اللغة العربية إلى التركية، أعطى الأوامر للأجهزة الأمنية لنقل مقاتلين مرتزقة إلى الصومال، وأيضاً مصادر تركية تفيد أن تركيا فتحت معبراً حدودياً بقرية بنيركا التابعة لناحية راجو، وهو قريب من القاعدة التركية في عفرين السورية، وذلك لتسهيل عملية نقل المقاتلين إلى تركيا ومن ثم إلى الصومال.
لا شك أن العداوة متأصلة والحوادث المتعاقبة تثبت ذلك، فقد شهد الداخل الصومالي اضطرابات منذ دخول تركيا إلى مطارها ومنافذها، وعدد من الشركات التركية استولت على مرافق صومالية حيوية، أبرزها استيلاء شركة فافوري التركية على امتياز إدارة مطار «آدم عدي الدولي»، كما استولت شركة «البيرق» التركية على عائدات ميناء مقديشو بنسبة 55 % منذ 5 سنوات.
وأشار التقرير إلى أن التدخل العسكري التركي في الصومال يأتي في حجة دعم الجيش الفيدرالي ضد المتمردين، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فتركيا تدعم «الجماعات الإرهابية» لتحكم سيطرتها على مقدرات البلاد ولتحمي نفوذها في هذا البلد، على حد تعبير وسائل إعلام صومالية.
لهذا السبب قلت لكم لن نأتي بجديد، فمن الشائع أن أردوغان يدخل الدول غير المستقرة سياسياً واقتصادياً وتسير أطماعه بخطى متسارعة في ظلام دامس عبر متاهة يبحث فيها عن السر المدفون ويستخدم قدراته البشرية بأكملها للحصول عليه، ثم يمرر مخططاته المبهمة، علاوة على كونه ضليعاً في المؤامرة التي تفكك الدول بالتدخل في مفاصلها، ولسبب آخر أيضاً لأن الصومال بمثابة حديقة خلفية لليمن، وبالتالي فهي المغذي الرئيسي لقيادات التنظيمات الإرهابية في اليمن.
من هنا، يتوقف الأثر على حجم الخراب الذي يسعى له حيث يشار إلى أن أدلة كثيرة كانت قد أكدت تورط تركيا بإرسال مرتزقة إلى بلدان كثيرة أهمها ليبيا وكاراباخ بهدف إزكاء نار الحرب فيها، وكمية هائلة من القرائن الموثقة التي تؤكد دعمه لطرف على آخر وتأجيج الصراع ليفتح منافذ أخرى إلى مصالح أكبر يستكمل عدته بالجيوش نفسها ورغباتهم المتأججة في الانتقام، دون أن يتطلب ذلك جهداً أعظم وأمضى، ولا يعبئه بالانتقادات الدولية الكثيرة التي طالت أنقرة بسبب هذا الملف، وازداد النقد بعد تأكيد مقتل الآلاف من جيوشه من المرتزقة.
يحلم أردوغان بإعادة أمجاد تاريخ دولته الاستعماري، ولكن هذه المرة لم يكن ليجرؤ أن يحرك جندياً واحداً باتجاه أي دولة لولا الضوء الأخضر الأمريكي بما أنه أحد أدواتها لنشر الفوضى وينوب عنها في بعض المناطق التي كانت تنتشر بها، فقد تركت أمريكا الفراغ العسكري وسمحت لمثيري الفوضى بالنيابة عنها كوكلاء حتى تتم مشروعها في منطقة الشرق الأوسط الذي دعمته منذ احتلالها للعراق 2003 وتوسعت به من العام 2010 حتى تاريخنا الحاضر، وباتت تدير خيوط اللعبة سياسياً واستخدمت مرتزقة الفوضى الأتراك والإيرانيين وأذنابهم ليكونوا أدواتها في هذا المشروع التخريبي الذي حل بالعالم العربي.