د.شريف بن محمد الأتربي
الحديث عن السلام مع إسرائيل هو الشغل الشاغل للصحافتين العالمية والعربية حاليًا خاصة الاتفاق بين إسرائيل وكلٍ من دول الإمارات والبحرين والمغرب.
ويطول الحديث عن السلام مع إسرائيل فهو ليس وليد لحظة ولكنه بدأ منذ وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد للسلام عام 1979م ومن ثم تلاها اتفاق الأردن مع إسرائيل برعاية أمريكية، واتفاق الدولة الفلسطينية نفسها مع إسرائيل تحت مسمى اتفاقية أوسلو، والذي حصلت السلطة الفلسطينية بموجبه على الحكم الذاتي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
والمتتبع لتاريخ فلسطين يجد أن هذه المنطقة بأسرها لم تسلم من الحروب لفترات طويلة، فقد كانت دائما بؤرة صراع مشتعلة بين أقطاب عدة، سواء ما قبل الميلاد، أو في عهد المسيح عليه السلام، وحتى بعد ظهور الإسلام وارتباط فلسطين، أو بشكل دقيق المسجد الأقصى، بالشعائر الإسلامية (الصلاة)، ثم حادثة الإسراء والمعراج، أو ما تلا ذلك بدءاً من الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا.
وتكاد تكون فلسطين هي المنطقة الوحيدة في العالم التي جمعت على أرضها الديانات السماوية الثلاث، منذ عهد إبراهيم عليه السلام، حيث ولد أبناؤه، وعاش لفترة فيها أحفاده. ثم قدم نبي الله موسى عليه السلام إليها فاراً من فرعون وقومه، حيث غضب الله على بني إسرائيل لعصيانهم موسى وهارون عليهما السلام، فكان العقاب التيه في الأرض أربعين سنة. وعلى أرض فلسطين ولد نبي الله عيسى عليه السلام، ومنها رفعه الله تعالى إليه، وإليها أسري بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
إن فلسطين أو أرض فلسطين ذاتها تمثل لكل الديانات السماوية منزلة خاصة في العقيدة وفي النفس أيضا، لذا فليس من المستغرب أن تكون دائمًا وأبدًا محل أنظار العالم سواء في حرب أو في سلم، فمنذ وعد بلفور وهذه المنطقة مشتعلة بالحروب المتتالية التي كانت تخوضها الشعوب العربية الإسلامية دفاعاً عن المقدسات، وكانت الفرصة تلو الفرصة تتاح للفلسطينيين للعودة إلى أرضهم والمحافظة على ما بقي منها دون حروب أو اقتتال، ولكنهم هم أنفسهم اختلفوا، فرئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات يوقع اتفاقاً مع إسرائيل ترفضه جماعات أخرى هناك وترفض الاعتراف به- مدعومة من قوى غير ظاهرة ولأسباب غير معروفة، ويتطور الأمر إلى احتلال جماعة الإخوان المسلمين لقطاع غزة بالقوة ووضع السلطة الفلسطينية في موقف حرج عالميا وإقليميا.
وبالنظر إلى الوضع الراهن أجد أن زمن الحروب قد ولى وانتهى، وأن الدعوة للقتال لحساب الغير لم يعد لها وجود، وأن على الدول العربية الراغبة في التقدم والرقي أن توجه كل جهدها إلى الداخل أولا حتى تلحق بكبريات الدول التي تقدمت بفضل عقول أبناء العرب الذين هاجروا من الديار نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولو كنا انتبهنا لهم بدلا من اقحامنا في حروب لم تحقق أي شيء لأي فصيل أو جهة، فما تحقق بالسلام الذي بدأ في عام 1979 يفوق بجميع المؤشرات ما تم تحقيقه بالحروب منذ عام 1917م.
إن حديث السلام اليوم- وإن ضاقت صدور البعض منه - هو الحديث الوحيد الذي يجب أن نستمع إليه جميعاً ولا يضرنا شيء- ولن يضرنا بإذن الله - أن نعود إلى هذا الحديث الذي سبق وطرح في عهد الملك عبد الله - رحمه الله - من خلال المبادرة العربية للسلام والتي يمكن من خلال الحوار وتعديل بعض بنودها؛ أن نعيد لهذه المنطقة المشتعلة دائما هدوءاً واستقراراً يحتاجهما الشعوب العربية حاليا لتواصل مسيرتها التنموية وتحقق أهدافها المستقبلية.