د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
ولدت المسؤولية الاجتماعية من منطلقات دينية وإنسانية ووطنية، وهي مبادرات تلزم القطاع الخاص بالمساهمة فيها. ولقد أصبح للقطاع الخاص دور تنموي أساسي، وأصبح العطاء جزءاً من نشاطه، وأصبح للمسؤولية الاجتماعية آفاق أرحب، نتج عنها برامج تنموية متعددة، تمثل مشاركات للقطاع الخاص، اعتمدت ولسنوات طويلة على المبادرات الفردية.
إلا أن ثقافة المسؤولية الاجتماعية في بلادنا، أخذت في التبلور بشكل إيجابي وتنظيمي، وبات هناك تعاون حكومي أهلي في تعزيزها، وظهر مع الوقت ما يثبت تنامي ثقافة المسؤولية الاجتماعية، من خلال الخطط والمبادرات. وأصبح هناك أيضاً تنسيق حكومي أهلي في جوانب تنموية عدة، يأتي من بينها التنمية الشبابية، وذلك من منطلق أن مستقبل الوطن والمجتمع، ينبع من طاقات عناصره الشابة، الركن الأساس الذي ينبغي العمل على استدامة تنميته وتطويره.
وإن اندماج الشباب في المجتمع، والمشاركة في التنمية المجتمعية، لأمر ضروري، وإن تحفيز المبدعين من الشباب على المشاركة في تدبير الشأن العام يسهموا في تنمية المجتمع والوطن، لأمر ضروري أيضاً، فتوسيع دائرة مشاركة الشباب في العملية التنموية، تعزز من مواطنتهم ومكانتهم في المجتمع، وتمكنهم من المساهمة في الخدمات التنموية، وفي بناء أمن مجتمعهم والمشاركة في حمايته، والإسهام في ترسيخ حضارته وتراثه. كما تمكنهم من إيصال خبرات وتجارب الآخر المفيدة لمجتمعهم، وتحديد الاحتياجات المحلية منها.
وإذا كانت الكثير من المجتمعات تنظر إلى الشباب على أنهم نصف الحاضر ونصف المستقبل، فإنهم في وطننا يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، وذلك لأن الشباب يمثلون ما يقارب 65 في المائة من إجمالي سكان البلاد، ما يعني من جهة، أن المجتمع السعودي يمثل مجتمعاً شاباً، ويعني من جهة أخرى، أن نحو نصف مجتمعنا، في سن القدرة على العمل والإنتاج، أي أن شبابنا يمثلون ثروة وكثافة إنتاجية (قد لا توجد في الكثير من المجتمعات) يطرح وجودها على هذا النحو سؤالاً مهماً حول استثمار هذه القوى المنتجة، وتثمير طاقاتها، وتحويلها إلى قوة نوعية، والإفادة منها في التعاطي مع التحديات التي تطرح نفسها على مستقبل الوطن.
وكما يعلم القارئ الكريم، فإن مفهوم التنمية ينطلق من أن الإنسان هو محور أي أداء تنموي، وأن الإنسان أداة التنمية ووسيلتها، وهدفها وغايتها في آن. ويؤكد «مصطلح التنمية البشرية» على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية، وهو محرك الحياة في مجتمعه، وهو منظمها وقائدها، ومطورها ومجددها.
عليه، فإن تبني سياسة وطنية للتنمية الشبابية، يمثل اعتراف الدولة بأهمية الشباب، وبدورهم في العمل التنموي، والاعتراف من ناحية ثانية، باحتياجاتهم وتطلعاتهم، والعمل على تحديد أهداف واستراتيجيات تحقيق تلك الاحتياجات بشراكة رسمية أهلية.
ولا مفر لنا ونحن نطور برامجنا الشبابية، من التأكيد على قيم ومبادئ معينة، كالالتزام بمبادئ الشريعة السمحة الغراء، وترسيخ وإشاعة الالتزام الشبابي بالقيم الروحية للشريعة، والعمل على إعلائها، وتعميق التزام الشباب بالأنظمة الحكومية وتكريس احترامها، وتبني مبادئ التعاون والعمل الجماعي، كأهم آليات التنمية الشبابية.
إضافة لذلك، فإنه لا بد من التأكيد على الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية والشفافية، وترسيخ مبدأ إعطاء الشباب دوراً حيوياً في تنمية المجتمع، وعدم المشاركة في، أو تبني، أو العمل على المشروعات، ذات الطابع الذي يمثل تأثيرا في فكر الشباب، تجنباً لخطورة مثل هذا المشاريع وتأثيراتها الفكرية.
هذا وتتمثل رؤية الكاتب في التنمية الشبابية، في توحيد الجهود الأهلية لدعم أهداف التنمية، كدعم مكمل لما تقوم به الدولة، والتعاون اللا محدود بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأهلية لتخفيف حدة البطالة، وتعزيز دور القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية في دعم التنمية الشبابية، وتكوين منبر علمي ومنهجي في مجالات تنمية وتأهيل الشباب، وتبني أفضل ممارسات العمل المؤسسي في التنمية الشبابية، والإفادة من تجارب المؤسسات التنموية والمنظمات غير الحكومية المماثلة، ناهيك عن أهمية استثمار طاقات وموارد المجتمع الأهلي والإفادة من مكوناته في تطوير التنمية الشبابية.
ويرى الكاتب أنه لا بد لنا أيضاً ونحن نعمل على تطوير التنمية الشبابية، من أن نتبنى النهج التنموي المترابط والمتكامل اقتصادياً واجتماعياً، ونجسد شبابياً ثقافة التنمية والمبادرة الاجتماعية والعمل التطوعي، ونطور مشاريع الاستثمار الشبابي التنموي بكل أشكالها.
كما ينبغي التأثير ما أمكن، في سن التشريعات والسياسات التنموية الشبابية، وفي تعزيز مسؤولية القطاع الخاص الاجتماعية، وفِي دعم بناء قدراتها الإدارية، وفِي تعميق الشراكة التنموية الشبابية بين الحكومة والقطاعين الخاص والأهلي، ودعم مجالس شباب وشابات الأعمال وتشجيع مشاركاتها في العملية التنموية. وأخيرًا، إبراز ثقافة المشاركات الشبابية الدولية والاهتمام بها، كإحدى أدوات التنمية الشبابية.