م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. في كل مرحلة زمنية أو سياسية يكون هناك خطاب عربي ثقافي واحد مهيمن على الساحة.. وهذا شوه معنى التعددية وأضعف حضورها.. فرغم توافر التنوع في الخطاب العام إلا أنه لا يتاح المجال إلا لخطاب واحد في زمنه ومرحلته.. أما بقية الأصوات فيتم إقصاؤها بإسكاتها أو تخويفها أو تشويهها في المجال العام.
2. وبرغم نبل المقصد في هاجس وحدة الكلمة ووحدة الموقف ووحدة الثقافة.. إلا أنها أحدثت خللاً منهجياً في تفكير أفراد المجتمع.. وأضعفت لديه القدرة على فهم وقبول الرأي الآخر.
3. الفهم الخاطئ لوحدة الكلمة والمواقف يُقَوِّض مفهوم الوحدة من أساسه.. فهو يؤدي إلى إلغاء الآخر مهما يكن.. وهذا ضد الطبيعة.. فالكون لا يدور في فلك واحد إلا بقوى دفع وجذب متعددة أوجَدَت ذلك التوازن العظيم.. وكذلك الحال بالنسبة للخطاب الثقافي.. فتوحيد الخطاب الثقافي للمجتمع لا يكون بتوحيد مصادر التلقي ونفي كل مختلف.. إنما يكون بتوحيد الهدف والسعي للوصول إليه بكل الوسائل وليس من خلال وسيلة واحدة.
4. هيمنة الفكر الوحدوي في الخطاب العربي.. من وحدة الصف إلى وحدة الدول ووحدة المصير.. تطور وأصبح يشمل وحدة التفكير ووحدة الرأي ووحدة الثقافة.. وبذلك ألغينا التنوع الإيجابي وأوجدنا التنوع السلبي وهو التنوع المتخفي المضاد الثائر على بعضه.. فأصبح التنوع مدعاة للهدم لا للتعاون وتوسيع الرؤية وفرص الخيارات.
5. هذا الضعف في خطاب التعدد أوجد مشكلة خطيرة وهي الذعر من خطاب النقد.. فلم يعد أحد يقرأ النقد ويفككه ويحلله وإنما صار يتجه مباشرة إلى قراءة النوايا والأهداف ثم يقرر أن الغاية بخلاف ما قُلْتَ وكَتَبْت.. ثم يُصدر حكمه عليك بالتجريم.
6. المعضلة الأخرى التي يواجهها خطاب التعدد في الوطن العربي أن المثقف والسياسي والداعية والمهني والأكاديمي كلهم تربوا على أن كلامهم وآراءهم هي ما يراه ويعتقده المجتمع بكليته.. وأنه القول الصحيح الذي لا لبس فيه.. من هنا فإن أي فرد في المجتمع يحاول التصدي لما قيل أو مناقشته فسوف يعد مفسداً ويجب إيقافه عند حده.
7. إن محاربة التعددية في الخطاب العربي قد أقعدت المجتمع بعمومه.. فمجتمعنا العربي اليوم فكرياً وثقافياً هو ذات المجتمع في ستينات القرن الماضي.. فلا زالت آراؤه ذات الآراء وطموحاته ذات الطموحات.. الفرق الوحيد أنه أصبح أقل تفاؤلاً وأكثر يأساً وجلداً للذات.