محمد سليمان العنقري
مرت جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي بأطوار عديدة بدايةً من الإقفال الكبير في الربع الأول من هذا العام الذي تسبب بشلل واسع التأثير بقطاعات اقتصادية عديدة وأدت لفقدان نحو مائة مليون إنسان لوظائفهم على مستوى العالم، إضافة لخسائر ضخمة قدرت بأكثر من ستة تريليونات دولار لهذا العام فيما تم ضخ 11 تريليون دولار أمريكي من دول مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات العالم وذلك لاحتواء تداعيات الجائحة ومنع تفاقم آثارها حتى يتم السيطرة عليها قبل الشروع بالعودة للنمو مما يعني أن هذا العام كان متسارعاً بأحداثه. ففي كل أسبوع وشهر منه كانت التطورات السلبية هي السائدة وتعطي صورة قاتمة لسنوات مقبلة بما أن الوباء قائم ولم يكن هناك أي ضوء لحل يوقف تفشيه كي يتمكن العالم من التقاط أنفاسه.
لكن شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين حملا معهما أخباراً إيجابية بظهور نتائج مبشرة للقاحات ستكون هي السلاح الذي يحد من تفشي الوباء ويعجل بانحساره وإن كان الربع الثالث من هذا العام أفضل من سابقيه لكن كان أيضاً مشوباً بحذر شديد خوفاً من أن تطول الأزمة ولا تكون حزم الإنقاذ كافية للحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية مما يعني صعوبة تقديم حلول كبيرة في حال طال مكوث الوباء دون حل، وبالعودة للربع الحالي الذي اتسم بالتفاعل الإيجابي مع أخبار اللقاحات مما حول البوصلة باتجاه مغاير للسلبية التي كانت طاغية في الفترة الماضية مما يعني أن العناوين للمرحلة المقبلة طالها تغيير يختلف عن حالة التشاؤم التي طرحت عناوين كانت تتركز على طول أمد الأزمة واحتمالات موجات جديدة من التفشي واحتمال إقفالات واسعة وطويلة ورفع لنسب الانكماش المتوقع في الاقتصاد العالمي.
لكن العناوين التي بدأت تفرض نفسها على الساحة حالياً تتمحور حول ثلاثة عناوين رئيسة الأول اعتماد اللقاحات من الوكالات الوطنية المعنية بترخيصها في دول العالم وقد بدأت بالفعل في السعودية وبريطانيا وكندا، إضافة لروسيا والصين والإمارات وغيرها من الدول وبدأ الحديث أكثر عن التعاقدات مع الشركات المصنعة ووضع مواعيد ومراحل لتوزيع اللقاحات وتجهيز مراكز التخزين وكذلك وضع مراحل للفئات المستهدفة بكل مرحلة من إعطاء اللقاحات بحيث حصرت المدة ما بين نهاية العام والحالي والربع الثالث من عام 2021 م أما العنوان الثاني الذي يتم التحضير له في أغلب دول العالم خصوصاً الاقتصادات الكبرى هو اعتماد الموازنات السنوية للدول وحزم التحفيز الإضافية لدعم رفع معدلات النمو الاقتصادي لتعويض واستيعاب الآثار السلبية التي حدثت هذا العام ويتوقع أن يكون إجمالي حزم التحفيز بعدة تريليونات من الدولارات تضاف لكل ما تم تقديمه ببداية الأزمة هذا العام، أما العنوان الثالث فهو الحديث الذي بدأ التلميح له وهو موعد العودة للحياة الطبيعية فأمريكا تتوقع أن يحدث ذلك في الربع الثاني من العام المقبل بينما في أوروبا سيكون الصيف المقبل موعداً لذلك ولن تبتعد غالبية الدول عن هذه التواريخ.
المرحلة المقبلة بالرغم من حالة الحذر التي تتبعها الدول لكي تتعامل مع أي تطور سلبي للجائحة إلا أنها بدأت تميل للكفة الإيجابية لحد نسبي جيد تقوم على العناوين الثلاثة التي ذكرت وسنرى تغييراً في كثير مما يطرح حالياً حول توزيع اللقاحات، إذ ستكون المدة الزمنية غالباً أقل مما يطرح حالياً مع زيادة التراخيص والإنتاج للكثير من الشركات التي أنجزت كافة مراحل اختبار اللقاح وقد تعود الحياة لطبيعتها بوقت اقصر وسيتغير معها تقديرات النمو للاقتصاد العالمي للأعلى من التقديرات الحالية عند 5.3 بالمائة التي قدرها صندوق النقد الدولي.