رمضان جريدي العنزي
هناك من يعشق الألقاب بطريقة غير اعتيادية، يأكل ويشرب، يصحو وينام، على وقع هذه الألقاب التي لا تقدم له شيئاً ولا تؤخر، تذهب إلى المناسبات فلا تسمع سوى كلمة الشيخ فلان، والإعلامي فلان، والشاعر الفلتة فلان الذي لا يجاريه ولا يدانيه أحد، والوجيه فلان، والكثير من الألقاب والمسميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، هكذا تتناسل الألقاب، فيما تغيب الحقيقة التي جاءت من أجلها، لأن الألقاب بكل تنوعاتها لم تعد مناسبة ولا مستساغة في هذا العصر الحديث الذي يريد من الإنسان إثبات الذات بعيداً عن اللقب والكنية والمسمى، إن الإنسان العاقل المدرك الواعي لا تعنيه مطلقاً هذه الألقاب، ولا يحب أن يتعامل معها، تواضعاً منه واعتزاز وثقة، حتى في ديننا الإسلامي الحنيف لا توجد هذه الألقاب، فالخلفاء الراشدون وهم أعلى مرتبة من كل ما نراهم، تتم مخاطبتهم مباشرة، فيقال أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وفي أحسن الحالات ينادى بأبي فلان، في الزمن الحديث، كلما زادت وتكاثرت وتفخمت الألقاب تراجع الأداء، وكلما تراجعت هذه الألقاب، كان الأداء نوعياً ومغايراً، إن الألقاب التي نسمعها كثيراً هذه الأيام يجب ألا تطلق بشكل موسع وبلا عنان، لأنها لا تفيد ولا تطور من الإنسان شيئاً، بل ربما تكون من أسباب تأخره ونكوصه، على حساب الإنتاج والابتكار والإبداع، إن الإنسان الحريص على التقدم والتطور لا تهمه هذه الألقاب والمسميات، ولا يهمه المديح المغلف بعبارات النفاق، بل العمل الجاد المثمر هو من أولوياته، ولا يهمه الكلام المنمق واللقب اللطيف الذي لا يتعدى التسويف الفارغ، إن خلطات الألقاب التي يطلقها البعض على البعض الآخر جلها الأعظم ليس حقيقة، بل مجاملة واهنة، ومداهنة زائفة، وليس لها علاقة بحقيقة المسمى واللقب، إن طوفان الألقاب التي نعيشه في هذا الزمن أنتج طبقة رثة من الناس حسبت نفسها مهمة ومهمة، لها قدرها ووزنها في المجتمع، وهي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن هذا، أن اللقب ليس دليلاً على موقع الشخص ومكانتة الاجتماعية، بل قد يكون وبالاً عليه ومصيبة، إن ظاهر الألقاب باتت من غير ضابط ولا رابط، في الوقت الذي سعت فيه كثيراً من المجتمعات المتقدمة المتحضرة إلى التخلص من هذا العمل الذي لا يمنح للشخص إضافة حقيقة، إن التهويل بالألقاب والنعوت وتوزيعها بالمجان تفتقد غالباً للشروط والمعايير والمقاييس والمواصفات والتي يجب أن تكون مسقة مع شخصية الإنسان ومكانته وجهده وفعله وبلاغته وذكائه، يقول ميكيافيلي (ليست الألقاب هي التي تشرف الرجال، بل الرجال هم الذين يشرفون اللقب)، إن اللقب لا يمنح في الحقيقة والواقع إلا لصاحب العمل والتفرد والمؤهلات والتفاني والإيثار وخدمة الناس والسعي معهم وصاحب الخبرة والإتزان والعدل والعقل والحكمة والبصيرة الثاقبة، إن علينا ألا نبالغ أو نتطرف أو نهول بإطلاق الألقاب حتى لا نعكس حقيقة المشهد، ونشوه مشهد الحقيقة، علينا أن ندرك تماماً حقيقة الأفراد قبل أن نطلق عليهم الألقاب.