د. عيد بن مسعود الجهني
المشهد العالمي يقول إن كوكبنا الأرضي قد يكون على أبواب حرب كونية لا تبقي ولا تذر، صحيح أن زج الردع النووي كما حدث عام 1945 أصبح اليوم ليس في الحسبان إلى حد كبير حدوث مواجهة عسكرية كبرى مباشرة بين أكبر قطبين يملكان أكبر ترسانة نووية، هما الولايات المتحدة وروسيا اللتان تحتضنان 90 في المئة من مجموع هذا السلاح المدمر.
أمريكا دمرت بعض جزر اليابان فور امتلاكها السلاح النووي لتنهي الحرب العالمية الثانية، وروسيا بعدها بسنوات امتلكت هذا السلاح الرهيب ليبدأ السباق العسكري المجنون.
وبعد أن غربت شمس الحرب الكونية الثانية لم تهدأ الساحة الدولية فقد مر العالم بنزاعات وصراعات وحروب عسكرية وسياسية واقتصادية عديدة مدمرة ... إلخ.
منها حرب الكوريتين، والفيتنامية، العدوان الثلاثي على مصر 1956، حرب الأيام الستة 1967، 1973، منازلة إيران والعراق لثمان سنوات 1980 - 1988م، وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 بعد حرب باردة بين الدب الروسي والغول الأمريكي، الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م لتغرب شمس ذلك القرن دون أن يشهد المجتمع الدولي حرباً وقودها السلاح النووي.
وقد يكون دخول دولة لحرب غير محسوبة حتى ولو كانت الدولة محل التدخل والاحتلال ضعيفة في القوة والاقتصاد كأفغانستان إلا أنها قد تكون سبباً رئيساً في سقوط دولة عظمى كما حدث للاتحاد السوفييتي السابق صاحب القوة العظمى.
دارت رحى الحرب على تلك الأرض ليخرج من رحمها ضعف قوة الروس في الأرض ليصبح احتلالهم لأفغانستان أحد الأسباب الرئيسية ليعلن جورباتشوف انهيار إمبراطورية بلاده لتعود إلى حدودها الطبيعية وتتناثر الدول التي كانت تسير في فلكها مستقلة لتلتحق بعضها بالاتحاد الأوربي، وبقي الآخر دولاً مستقلة يعتريها الضعف ويخرج من رحم ذلك الانهيار الرهيب القاعدة وطالبان، تلك المنظمتين الإرهابيتين لحق بهما منظمة إرهابية جديدة داعش وغيرها.
تلك المنظمات الإرهابية ما هي إلا صنيعة الغرب الذي احتل العراق جهارًا نهارًا وسلّمه على طبق من ذهب لإيران لنرى هذا العبث الشيطاني في أرض الرافدين التي جزأ فيها المجزأ وتصبح أرض خصبة يعوث فيها الصفويين ظلماً وفسادًا لتتحول العراق إلى كانتونات بسبب هذا الظلم الأمريكي والصفوي.
يتضح أن بناء القوة ينال أهمية بالغة للدول لحماية أمنها واستقرارها، حتى إنه ليس من الضروري أن تكون هناك دولة عدوة لدولة أخرى حتى تجهز الجيوش استعداداً للقاء تلك الدولة إذا ما حدث تدخل في شؤونها الداخلية باستعمال القوة، بل على العكس فإن بناء القوة مطلب ملح في كل الأوقات لتحقيق الردع لحماية السيادة ومواجهة تحديات السلم الوطني.
وعلى الجانب الآخر فإن من أكبر المخاطر التي تهدِّد جيوش أية دولة وتؤثِّر في فاعليتها وجود قادة لها ليس في مقدورهم بالمفهوم العسكري الإستراتيجي معرفة المقدرة القتالية لقواتهم، بل لا يملكون تقدير قوة خصمهم وبالتالي يعرضون قواتهم إلى المهالك.
لدينا مثل حي على ذلك، في فجر الثاني من أغسطس 1990 احتل العراق دولة الكويت بشكل أذهل العالم أجمع لتبدأ حرب شرسة كان هدفها الرئيسي ليس حدودياً كما كان يزعم صدام -رحمه الله - وإنما طمع الثروة.
كان القرار غير عقلاني جر العراق إلى ويلات الحرب، والغزو والاحتلال والقضاء على جيشه، فسوء التخطيط للقيادة العراقية في تلك الفترة من التاريخ الحديث كانت سبباً رئيساً لما لحق بالعراق من انهيار اقتصادي وأمني وعدم استقرار ودخول إيران إلى المشهد العراقي المتردي.
ورغم خروجه من دولة الكويت مهزوماً في نهاية شهر فبراير 1991م إلا أن القيادة العراقية ظلت تسلط مكنتها الإعلامية تطلق ادعاءات كاذبة بأنها قادرة على مواجهة قوات التحالف رغم أنها كانت في أسوأ حالات الهزيمة والانكسار، واستمر هذا حتى قرَّرت قوات التحالف اتخاذ قرار المعركة لتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي.
كانت عاصفة الصحراء التي حرَّرت الكويت نقطة تحول من الحرب العالمية الباردة إلى الحرب العالمية الباردة/ الساخنة، الباردة في الشمال والساخنة في الجنوب، والتي لا توجد فيها عداوات على المستوى العالمي، بل تنافس في مجال الإنتاج والتكنولوجيا، والتي لا تدور بين أطرافها معارك في مسارح القتال، بل تدور فيها تنافسات في المعامل ومواقع الإنتاج.
وإذا طبقنا انهيار السلطة في العراق على يد صدام حسين رغم أنه كان يملك قوة ذات بأس بعد أن خرج من حربه مع إيران، إلا أنه لافتقاره إلى القيادة الحكيمة والرؤى السديدة أقدم على مخاطرة غير محسوبة العواقب بغزوه لدولة الكويت ليصبح السبب الرئيسي في زوال حكمه ونهاية حياته على يد أعدائه وأعداء بلاد الرافدين وأهلها، بعد أن احتلت قوات التحالف العراق عام 2003م.
ولأن بعض القادة العرب بعد صدام حسين وتشبثاً منهم بالسلطة وتطبيقهم لمقولة نابليون (أنا الدولة والدولة أنا) وضعف قيادتهم وعدم إلمامهم بالدبلوماسية السياسية وإدراك ما يدور في العالم من تغيّرات على كل الأصعدة، وتأرجح شخصيتهم التي كانت تفتقر إلى الجاذبية وفن القيادة، وانعزالهم عن شعوبهم، وعدم قدرتهم على الإقناع والتأثير، وعدم فهمهم لقوة مكنة الإعلام الداخلية والخارجية، بل والقيم السياسية والأخلاقية، وتجاهلهم لقدرات دولهم من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والإقليمية، فقد انهارت تلك الأنظمة تباعاً بدءاً من تونس الخضراء وأم الدنيا مصر وليبيا واليمن والسودان وسوريا على الطريق.
العرب يدركون أن قاعدة القانون الدولي هي القوة والمصلحة.. واليوم عليهم الانتقال من زمن القوة التقليدية إلى قوة الردع بمضامينها المتعدِّدة، ليعيدوا تاريخهم عندما كانوا رماحاً لا يكسرها الطغاة يستجير بها الضعيف يأخذ له حقه، بل وثأره، بدلاً من وضعها الحالي تبحث عمّن يرد لها حقها وسط الزحام.
هذا مطلب ضرورة وليس ترفاً للعرب في ظل المتغيِّرات شديدة السرعة كالرياح العاتية التي تحدث على الأرض الغنية بثروات عديدة منها النفط الذي بلغ احتياطيهم منهم (55.6) في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، ناهيك أن احتياطي الدول العربية من الغاز (26.4) في المئة من الاحتياطي العالمي.
وما تشهده الساحة الدولية من تقلبات ومتغيرات تترك آثارها السلبية على وطننا العربي وأمنه واستقراره على المدى القريب والبعيد. والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة