في حياة كل شخص على هذه البسيطة قناعات يؤمن بها، ولا يمكن أن تتغير بسهولة، ليس عنادًا منهم في الغالب، ولكن من تجارب وممارسات وخبرات شاهدوها واكتسبوها؛ ومن ثم اقتنعوا بها. وشخصيًّا عندي قناعة تامة بأن القادة يولدون ولا يُصنعون، وأن القيادة شيء فطري، أو كما قال توماس كارليل «إن القادة يأتون إلى العالم مع هبة استثنائية، تجعلهم لا يتساوون بالناس ذوي القدرات والمواهب المتساوية»، رغم ظهور نظريات جديدة تقول العكس؛ إذ يؤمنون بأن القيادة صناعة، تحتاج إلى من يحترمها ويعمل على إتقانها، فقط عليهم أن يحسنوا تدريب القائد، وصقله بالمهارات المؤهلة؛ وسيصبح قائدًا.
الذي دعاني إلى ذلك هو أنني كنت أستعرض أسماء العديد من القيادات الكشفية الوطنية في مملكتنا الحبيبة من الرعيل الأول خلال الاحتفاء بيوم الرائد الكشفي العربي الذي يصادف السابع من ديسمبر من كل عام، فكان أن مرّ بي اسم الرائد الكشفي أحمد بن عائض سعيد الشعفي، الذي أؤمن بأنه أتى لهذه الحياة وهو يحمل صفات وسمات شخصية القائد؛ الأمر الذي جعله نموذجًا في القيادة لكل من عرفه من جيله.
تعود معرفتي بالرائد الوالد أحمد الشعفي إلى عام 1408هـ خلال مشاركة المملكة في التجمع الكشفي العربي الثامن عشر بالمغرب، وكانت المنظمة الكشفية العربية وقتها تحتفي بعيدها الماسي، ورغب حينها القدوة والخبير الإعلامي هشام عبدالسلام في تسجيل مشاعر المشاركين بالمناسبة بإحدى مطبوعات الإقليم الكشفي العربي، فكتبها وسلمها لي لإيصالها للأستاذ هشام. ولعشقي لمثل تلك المفردات كتبتها مرة أخرى، وسلمت للأستاذ هشام ما كتبت، واحتفظت بما كتب الأستاذ أحمد، الذي جاء فيه: «سعادتي لا توصف وأنا أشارك في الاحتفال بالعيد الماسي، الذي أحس بأنه مفخرة الكشفية، والتعبير الصادق عن أصالتها وجذورها العميقة الممتدة في واقعنا العربي. ولقد كان لجهود الأمانة العامة أثرها الصادق في إبراز هذه الاحتفالات بشكلها الذي يتناسب مع قيمة الحدث وأهميته».
كان لحديث الرائد أحمد الأثر الكبير وهو يقول: «أصالة الكشفية وجذورها العميقة». وعدنا والتقينا في موسم حج عام 1409هـ خلال معسكرات الخدمة العامة التي تقيمها جمعية الكشافة العربية السعودية؛ إذ كان مساعدًا لقائد معسكر منى في ذلك الوقت الدكتور علي بن أحمد حفاشي، وكنت مكلفًا وقتها بالإشراف على الفرق المساندة لوزارة التجارة، ومقر وجودنا وإعاشتنا بذلك المعسكر؛ فكنت كثيرًا ما أتقرب منه، وأحاول أن أكتسب شيئًا من صفاته التي كان من أهمها تمتعه بصفات أخلاقية عالية مع الجميع، وقدرة على إثارة الحماس في القادة والكشافين والجوالة، وقدرات تنظيمية وتخطيطية في اتخاذ القرار. وأظن أن ذلك هو الأمر الذي جعل الإدارة العامة للتعليم في منطقة عسير تكلفه مشرفًا على قسم الاختبارات عام 1413هـ؛ لما وجدت فيه من صفات وسمات قيادية ناجحة لهذا العمل الحساس، خاصة أن اختبارات الثالث الثانوي في ذلك الوقت كانت مركزية؛ وتحتاج إلى شيء من حسن القيادة والإدارة معًا، وهو ما امتاز به، وظهر ذلك جليًّا في الكتاب الذي أصدره عام 1409هـ تحت عنوان «أساليب التدريب القيادي».
لقد مثل الشعفي خلال ممارسته العمل الكشفي بلاده خير تمثيل؛ فقد شارك في العديد من المناسبات الخارجية، كان من أبرزها الإشراف على الرحلة الطلابية إلى دولة الكويت عام 1398هـ، والدراسة العلمية في مصر عام 1399هـ، والدراسة التخصصية للمفوضين وقادة الجهات في تونس عام 1982م، ودراسة خدمة وتنمية المجتمع في المغرب عام 1984م، والمخيم الكشفي العربي الثامن عشر في المغرب عام 1408هـ. كما قاد العديد من الدراسات والمعسكرات في المملكة.
كل من عرف أحمد الشعفي يعرف أنه نجح قائدًا؛ لأنه يتعامل مع من حوله بالقدوة مؤمنًا بمقولة «إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي». يأخذ بأيدي الآخرين إلى الخير، يقدم البذل الصامت على الكلام المنمق المعسول، والصدق ينبع من فعله قبل كلامه.