عبدالعزيز بن سعود المتعب
يأخذنا شعر الغزل الوجداني الرقيق عالياً ليفعم مشاعرنا بعبير رقة متناهية.. تليق بإحساس من يبحث عمّا هو أبعد من السائد النمطي الذي قد يكون مُملاً لدرجة السأم، بخلاف تغريدة الشاعر عباس بن الأحنف منذ مئات السنين خارج السرب وإبحاره عكس التيار آنف الذِكر بقوله:
يَسْتَقْرِبُ الدَّارَ شَوْقََا وَهْي نازِحَة
من عَالَجَ الشَّوْقَ لَمْ يَسْتَبعدِ الدَّارَا
لذا قال الشاعر المتنبي بكل شفافية:
وَعَذَلْتُ أَهْلَ الْعِشقِ حَتَّى ذُقْتُهُ
وَعَجِبْتُ كَيْفَ يَمُوتَ مَن لاَ يَعْشَقُ
والأمر نفسه في الشعر الشعبي الذي لا يُخضِع مشاعر المحب لتاريخ وجغرافيا ظرف الزمان أو المكان يقول الشاعر ابن لعبون -رحمه الله-:
قضت ليالي وصلنا به وفرّقت
شمله وذاك الوصل يطري على بالي
أيضا الشاعر عبد الله بن سبيّل -رحمه الله- شبّه المحب بمن لا يرى وجهته كالساري في ظلمة الليل الحالك الذي لا يهتدي بنجم الجدي للشمال أو نجم سهيل للجنوب:
غديت مثل اللّي بمسراه منجوم
منّي معاليق الفُواد امخطوفه
كذلك قلب المحب لا يختار من يحبه سلفاًَ يقول الشاعر سعد بن صبيح العجمي -رحمه الله-:
الله اللّي عطاني هوى الأجناب
وأقرب الجدّ لي فيه عاروضي
والحيرة، والتوجّس لا يقف كل منهما حائلا أمام غدق المشاعر الفيّاضة في الوصل أو الجفاء، وليس أدل على ما قاله الشاعر الذي قتله الحب الدجيما العتيبي -رحمه الله-:
لاقرّبوا منِّي ولا بَعَّدوني
ولا ميّسِِ منهم ولاني مُوَرَّا
بل إن العاشق ( الصادق) لن يجيبك إجابة مقنعة محددة إذا سألته لماذا أحبّ من أحبّهُ؟! يقول الشاعر نزار قباني -رحمه الله-:
أُحبُّه لستُ أدري ما أُحبُّ به
حتى خطاياه ما عادت خطاياه
وقفة:
من قصائدي القديمة:
أوصدت باب اللّي مضى قدر الإمكان
لكن حلوم الليل ما طاوعتني
تجيب لي شيءٍ تقافته الأزمان
وراحت سنينه عقب ما لوّعتني
هذي الحياة أحلام وأفراح وأحزان
ما نيب أول شخص فيها اجرحتني
ولا هي على كيفي ولا كيف من كان
يكفيني وقتٍ راح فيها اسعدتني