محمد آل الشيخ
لو خُيِّرت الشعوب العربية التي عانت من غياب الأمن والاستقرار، وسحقها الفقر والفاقة، بين الأمن والاستقرار وبين الديمقراطية والحرية بمفهومها الغربي المعاصر، لاختارت بلا تردد الأمن والاستقرار؛ ولقال العقلاء منهم: لا نريد ديمقراطية ولا نريد حرية، إذا كان الثمن ألا نعيش في أمن واستقرار. هذه حقيقة لا يعيها ويدركها إلا من ذاقوا الأمرَّين، وعرفوا ماذا يعني أن تعيش وغول الخوف يطاردك، ويُشردك في أرجاء المعمورة؛ يكفي أن تقارن بين أوضاع أغلب دول الخليج التي لا تزعم أن لديها ديمقراطية، مع الدول العربية التي تتباهى بأن لديها من الحريات والديمقراطية ما تفتقده الدول الخليجية، إلا أنك ستجد أن أول ما يواجهك في تلك الدول انتشار (الفساد)، وتفشي الفقر، وغياب الأمن، كالعراق ولبنان وإلى حد ما تونس أيضاً، والسؤال الذي ينتهي إليه السياق هنا: لماذا لم يتوافر لتلك الدول التي تحظى وتنتهج الحرية والديمقراطية التنمية الاقتصادية التي تُنجيها من الفقر، والأمن والاستقرار الذي يُنجيها من الخوف، والعدالة الاجتماعية التي تُنجيها من الفساد؟.. ولماذا لم تتحقق لتلك الدول ما تحقق لدول الغرب وبعض دول الشرق من الازدهار المعيشي، والأمن، والابتعاد عن الفساد؟
من هنا يمكن القول : إن الحلول التي تناسب مجتمعاً ما ليس بالضرورة أن تناسب مجتمعاً آخر، فتكوين المجتمعات، وثقافتها الموروثة، والعادات والتقاليد، وما هو مقبول هنا، لا يعني إطلاقاً أن يكون مقبولاً هناك؛ بمعنى أن الزعم بأن هناك معايير ومقاييس تصلح في كل مكان وزمان قول لا يمكن التسليم به، وهذا التباين تثبته التجارب السياسية، فالغرب عندما (ساند) إبان ما كان يسمى الربيع العربي الثورات التي كانت تنادي بالديمقراطية، انتهت إلى أنها جميعاً، وبلا استثناء إلى الفشل الذريع، وأخفقت في أن تحقق لتلك الدول الأمن والاستقرار (أولاً)، وثانياً الرخاء الاقتصادي.
ومثل هذا الفشل سببه أن الأنظمة السياسية الصالحة للغرب ليس بالضرورة أن تكون صالحة لبلدان الشرق الأوسط، الذي ما زال مرتبطًا بمفاهيم ورؤى لما يحب أن تكون عليه الأنظمة الحاكمة، التي تختلف مع رؤى وقناعات إنسان الأنظمة والبيئة الاجتماعية للدول الغربية؛ فالمجتمعات الغربية تتكئ في أساسها على (الفردانية)، بينما تتكئ مجتمعاتنا على (الجماعة)، سواء كانت هذه الجماعة طائفة أو قبيلة أو عرق، وهذه المكونات لها مكانة اجتماعية تعلو على (الفردية) بل وتلغيها أحياناً، وإذا ما تجاوز الأفراد هذه (الجماعة) انفرط العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين، وتحولت أوضاعهم الأمنية والاقتصادية إلى ما يشبه مجتمع الغابة التي يفترس فيها القوي الضعيف، والأكثرية الأقلية؛ فالوطن في المفاهيم الغربية لا دين له، ولا ينتمي إلى عرق معين، فهو كيان محايد، يقف من جميع الأديان والمذاهب والعرقيات على مسافة واحدة، فلا تحيد لتنصر هذه الطائفة أو تهمش ذلك العرق.
وهنا يجب الإشارة إلى أن للديمقراطية بنية تحتية تتكئ على الفردانية لبناء كيان ديمقراطي مستقر وآمن وقادر على الحياة، وإذا لم تتوافر هذه البنية التحتية فلا يمكن البتة للإنسان أن يبني دولة ديمقراطية.
لذلك يمكن القول وبعلمية تدعمها التجربة الإنسانية إن الديمقراطية التي لا تفصل بين الأديان والأعراق وبين سياسات الدولة الداخلية أو الخارجية، فبإمكانك أن تسميها أي شيء إلا أن تسميها ديمقراطية.
إلى اللقاء