عبده الأسمري
يجهل العديد من البشر بمقومات «الذات» المنبثقة من قيم النفس والمنطلقة من مقامات «التفكير «والموثقة بقوائم «الأهداف» فتظل «الشخصية» تراوح مكانها متأرجحة بين «جمود» واقع وإحباط «متوقع» ليبقى الإنسان رهيناً لقطبي «التجمد الفكري» أو «التشدد السلوكي».
في عمق كل ذات بشرية قوى خفية تتشكل في هيئة «رؤى جلية» متى ما وظف الإنسان مواهب النفس واستغل مهارات الروح في التعامل مع المواقف وفي التعايش مع الأزمات وفي التأقلم مع العوائق حتى يصل إلى مستوى «الثبات» الحياتي و»الإثبات» الذاتي لتحقيق أهدافه أو مواجهة ظروفه ليبقى في متن «الاطمئنان» ويظل في حيز «الأمان».
الحياة جملة من الصراعات ويبقى حلها عبر غرفة عمليات بشرية «مستديمة» يديرها الإنسان بنفسه مهما جاءته مساندة خارجية «مؤقتة» من آخرين فوقع التأثيرات تجنيها النفس وواقع المتغيرات تواجهها الذات بنتاج يعلمه ويستشعره الشخص بمفرده دون الغير لذا يجب أن يكون لدى الشخص أدوات التبصر في القوى الذاتية وأبعاد التدبر في الرؤى الشخصية وصولاً إلى جلب الاستقرار واتخاذ القرار.
وردتني حالات عدة لواقعين في براثن المرض النفسي وقابعين في مصائد الاختلال الذاتي وماكثين في مكائد الاعتلال البشري وعندما تم الشخوص إلى أصل الحالة وعمق المسألة تبين أن الخلل في الشخصية والعلل في الهوية الأمر الذي جعل العلاج مرتكزاً في محيط الذات ومركزاً في داخل النفس ومتمركزا في عمق الشعور.. فكان الإلمام بجوانب القوة أهم وأقوى وصفات التحسن الأولى التي صنعت مسارات الشفاء المثلى بعد الاستجابة للاستشارات والتوظيف للتوجيهات فكانت النتائج مثمرة والثمار منتجة.
تقع بعض الشخصيات البشرية في سوءات التهويل من الأمر والتأجيل في الحل ويزداد الوضع سوءاً عندما تتشكل دوائر «القنوط» ومصائر «الفشل» لتحيط بالنفس من كل اتجاه وسط غلبة «التسيير» على «التفكير» فتتجلى «الهزيمة» وتنجلي «العزيمة» بسبب غياب «العقل» وحضور «العواطف» التي تأتي كالعواصف فتزيل أصول الثبات الذاتي أمام موجات الظروف عندها فإن المصير في «التدبير» الذي يصنعه الإنسان من فكره ودوافعه وقوته الكامنة ليواجه ويلات الانتظار بتشكيلات الانتصار التي تبدأ من خطوة «اليقين» وتنتهي بحظوة «النجاة».
يصنع «التهور» في ردود الأفعال «التدهور» في وجود الصواب نظراً لتحييد «التفكير» وإلغاء «التريث» مما يحول الشخصية إلى سيئة التحكم عاجلة الحكم في التعامل مع المواقف والتكامل مع الوقفات فينشأ «الاضطراب» ويحل «السوء» ويسيطر «التوتر» فترتمي النفس في ظلمات «الإساءة» وعندما يأتي التفكير اللاحق يأتي «الندم» بحلة مستديمة و»التأنيب» بطلة دائمة حينها على الإنسان أن يستغل شعور المراجعة والمحاسبة كي يستثمر ذاته في موجة تصحيح قادمة نحو البشر وقبلها إعادة النظر في سلوكه لتتحول التجارب إلى مآرب تسهم في سكينة العقل وطمأنينة القلب.
للتفكير ثمار يانعة متى ما تخلى الإنسان عن أنانيته وتجاوز ذاتيته وامتطى صهوة «إحسانه» واعتلى حظوة «تسامحه» حتى تتلاشى من شاشة العقل كل مؤشرات العداوة وجميع أدوات البغضاء لتنعم الشخصية البشرية بصفاء مذهل يسهم في تعديل مسارها من دروب مكتظة بالعراقيل وتصفية الحسابات المخجلة إلى مسارات ممتلئة بالتباشير وتنقية المواقف المؤلمة.
للذات إمكانيات كبرى متى ما عرف الإنسان مكامنها واستخرجها من عمق الجمود إلى حيز الوجود لتكون محفزات ترسم معالم الحياة وتشكل معاني التعامل وتكون منطلقات تعكس الأصل البشري المسجوع بفطرة السواء التي تبرمج النزعات الإنسانية المواجهة للنزغات الشيطانية حتى يحين الاقتدار ويهيمن الانتصار.
الذات كنز يجب أن يستفيد كل إنسان من تجاربه ومواقفه ووقفاته ومحطاته في حياة لا تقبل القسمة إلا على «السواء» فمن سار في عكس الاتجاه سيصطدم ذات يوم بحواجز الضمير ليعود إلى طبيعته الإنسانية وطبعه الآدمي ومن مضى في درب المنطق سائراً بين مسارات «الرضا» عن النفس والاقتناع بالسلوك فإنه سيجني ثمار «التفكير» الإيجابي الذي يشبع نفسه بالرقي ويملأ روحه بالسمو بعيداً عن قاع «الضياع» الذي يشكل ابتلاء حتميا وبلاء ضروريا يجب التدرب مسبقا على مواجهته والعلو في السلوك والمسلك بضياء الأخلاق وإمضاء الوفاق.