م. بدر بن ناصر الحمدان
قبل الشروع في بناء برج مياه الرياض بحي المربع عام 1969م أزيل ذلك المبنى الرشيق والقابع في جانب من حديقة البلدية جنوب شرق البرج، كان ذلك هو الفرع الثاني لمشروع «كازينو الرياض» والثالث من نوعه على مستوى المدينة، المقهى «الفريد» الذي افتتح عام 1961م واشتهر بتقديم الكعك العربي إلى جانب المرطبات والمأكولات الغربية كان لمستثمرين هما عبدالرحمن وسعد أبناء فهد بن كريديس، بدأ بطاقة استيعابية من 200 طاولة و600 كرسي من الحديد، وكان يزوره ما يقارب 1500 زائر يوميًا (مجلة قافلة الزيت - 1380)، ويعد من أوائل الأماكن «الراقية» التي تتيح للزوار شاشات تلفزيون عامة والجلوس في الهواء الطلق.
لم يكن «كازينو الرياض» ذلك المبنى الصغير الشهير بلوحته المضيئة والمكون من طابقين ومبنى ملحق من طابق واحد مجرد مقصد للمترفين والمثقفين ومتذوقي الزمن الجميل، بل كان بمثابة محاولة جريئة ومبكرة لتطوير أسلوب الحياة وثقافة المكان الثالث وتوظيف الفضاءات العمرانية بما ينعكس مع فلسفة نمط العيش داخل المدينة بهدف تقديم تجربة فريدة من نوعها مقارنة بالتقليدية الطاغية التي كانت عليها استخدامات الأراضي ووظائف المكان آنذاك، إلا أنه لم يكتب له النجاة، وأخفق في الصمود أمام تيار الانغلاق الثقافي في تلك الحقبة، ثم توارى مع حزمة من المبادرات جراء أيديولوجية مجتمعية لم تمهله طويلاً.
هذا المكان رغم قصر عمره وصغر مساحته وبساطة وظائفه، استطاع أن يكون جزءاً من تاريخ العاصمة، وكان قادراً على أن يحتل شيئاً من ذاكرة الناس، سواء من السكان المحليين أم من الأجانب القادمين من خارج البلاد، لا لشيء سوى أنه قدم ثقافة عيش مختلفة خارج المنزل، وظهر بأسلوب أكثر قدرة على تعزيز علاقة الإنسان بالمكان في فترة كان كل شيء في بداياته، يقول «كيث ويلر» الدبلوماسي والعسكري الأمريكي السابق في محاضرة نظمتها مؤسسة التراث عام 2005م في سياق استعراض ذكريات حياته بالرياض: «في أميركا يعني الكازينو شيئاً مختلفاً، لكن في كازينو الرياض كنا نجلس في الأماسي ونشرب الشاي..».
التاريخ يقول إن المدن، هي أحوج إلى «مَشَارِبُ عمرانية» وثقافية واجتماعية كمناهل وموارد تُستسقى منها علاقات البشر بعضهم ببعضاً، وتبادل المعرفة مع الآخرين، وممارسة الاندماج مع المحيط، من خلال الوجود في أروقة تليق بمستوى ثقافتهم ودوافعهم الذاتية والطبيعية للانفتاح إلى الفضاءات العامة، وهو ما يظهر على هيئة أماكن تقدم القهوة والشاي وقائمة طعام عالمية، وتمنح الناس فرصة للتعايش والوجود.
تُرى، إلى أين ذهب مرتادو كازينو الرياض في ذلك اليوم الذي هُدم فيه، وكم مكان يُشبهه دُفن «أيديولوجياً»، تذكروا جيداً أن ثقافة الشعوب تُبنى في تلك الأماكن التي عاشت صراعاً غير متكافئ يوماً ما...!