عمر إبراهيم الرشيد
لم تتلق حكومة الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة توصيفاً لحقيقة سياساتها كما تلقت من خلال كلمة الأمير تركي الفيصل الأخيرة في حوار المنامة. عندما رحل الملك فيصل رحمه الله تعالى ترك فكره ودهاءه السياسي في أبنائه وتجلى ذلك في أمير الدبلوماسية الراحل سعود الفيصل، ومن بعده الأمير تركي حين صدم الوفد الإسرائيلي الذي بدأ يروج خلف نتنياهو لتوالي التطبيع بينهم وبين الدول العربية ومن ضمنها المملكة، فأعاد هذا الأمير إنعاش الذاكرة الإسرائيلية والدولية معها. وليس هذا احتفاءً بأمر جديد أو مفاجئ بل هي سياسة المملكة التي سار عليها قادة هذا الوطن، ولجم لمن ظن أن المملكة تخلت عن القضية الفلسطينية. والرائع في كلمة الأمير ذكره لأدق تفاصيل سياسة الكيان الصهيوني منذ قيامه في المنطقة واحتلال الأراضي العربية، وزعمه وبتشجيع القوى الغربية أنه الديمقراطية الوحيدة المهددة من جيرانها العرب الإرهابيين!.
وبكل أسف نستحضر بأن هذا الكيان المحتل هو المستفيد الأكبر منذ سنوات ليست بالقصيرة، من شيطنة الكيان الصفوي الفارسي واستغلال الطائفية المذهبية لنشر الخراب في البلاد العربية، ولولا قدرة المولى تعالى ثم حزم وعزم قيادة هذه البلاد ومعها الدول الشقيقة لكانت النتائج صعبة على الوصف، ولكن المملكة بثقلها السياسي والاقتصادي وكونها قبلة المسلمين وقفت ضد هذا المد الصفوي وأعوانه والله غالب على أمره.
قلت بأن الملك فيصل رحمه الله رحل جسداً لكنه بقي سياسة ودهاء ودبلوماسية، عبر اخوته الملوك من بعده، وفي أبنائه الذين تربوا في كنف هذه المدرسة ورضعوا السياسة مع الحليب كما يقول التعبير الدارج وتشربوا هذا الفكر في مدرسة والدهم رحمه الله، فالملاحظ تميز أبناء الفيصل في سلاسة الحديث ورصانته وعمق وسعة الاطلاع مع القدرة على التحليل وتقديم المعلومة الموثقة. ولذلك يشكل معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية كياناً يدرس هذا الفكر ويخرج كفاءات تمثل صوت هذا الوطن السياسي والدبلوماسي، ومنهم وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الذي يجيد أكثر من لغة ويتقفى خطى سلفه في الدبلوماسية والفكر السياسي، إضافة إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير المتحدث البارع المجيد لأكثر من لغة. وهنا أذكر بأهمية اللغات في العمل الدبلوماسي لدورها كما نعلم في فهم المجتمع وثقافته الدولة المستضيفة للسفير الذي يتقن لغتها. بل حتى في شؤون الحياة عامة، فإتقان لغة أجنبية يثري الشخصية ويعمق الفكر لأن تلك اللغة تضيف لمتحدثها بعداً ثقافياً وأفقاً فكرياً جديداً يصعب تحصيله بدونها، والعمل الدبلوماسي تحديداً يصعب إتقانه وسبر أغواره دون تعلم أكثر من لغة، حفظ الله هذا الوطن قيادة وشعباً، إلى اللقاء.