محمد آل الشيخ
وتسمى أيضاً مرض (الشعور بالدونية)، ويعرفها العالم النفساني الشهير (أدلف أدلر) بأنها (شعور أساسي بعدم الكفاءة وانعدام الأمان، ناجم عن نقص جسدي أو نفسي أو متخيل). وهذا المرض له تجليات متعددة، تَحدّث عنها وعن تفرعاتها المتخصصون النفسانيون، غير أنني هنا سأختصر الحديث في (عقدة النقص) لدى الأثرياء الذين لا يجدون في من يحيطون بهم قيمة ومكانة، خاصة حينما يقارنون أنفسهم بالآخرين، من أصحاب الجاه والثروة، ويتفشى هذا المرض النفسي غالباً عند حديثي الثراء، أو من اغتنى فجأة بدون تدرج، ودون أن يتعب في جمع الثروة التي حصل عليها، كأن يرث مالاً وفيراً من والده، أو تضحك له الأقدار ويعثر على كنز يحيله بشكل سريع ومفاجئ من مصاف الفقراء المعوزين إلى مصاف ذوي المال والغنى والثراء، فتجده يتكلف الظهور بمظاهر الأغنياء الأقوياء، ولا يترك سانحة إلا ويستثمرها، دون أن يكترث بجدواها الاقتصادية، ليس ليحقق منها مصلحه أو مردود، وإنما ليثبت لنفسه أولاً وللآخرين ممن حوله ثانياً، أنه القوي الذي لا تستعصي عليه غاية، ولا تهزم له راية. كما أن عقدة الشعور بالنقص هي في الغالب شعور يبدأ كي يتسع ويطول أمده، لتتكرس هذه العقدة وتصيب أغلب جوانب حياته. والشخص المصاب بالشعور بالدونية قد لا يراها كما يراها الآخرون، لكنك تجد أن رغباته جامحة لأن يكون شيئاً مذكوراً، خاصة في القضايا الاجتماعية، فيتفاعل معها، بالشكل الذي يُرضي غروره ويعوض عقدته المرضية بالشعور بالنقص.
ووفقاً لعلم النفس، فإن الخبراء قد يعتبرون الشعور بالنقص شعوراً طبيعياً، بل وفي بعض الأحيان صحياً، عندما يكون حافزاً ودافعاً لتنمية الذات وتطويرها، وحثها على التميز بين الأقران، ويصبح هذا الشعور شعوراً مرضياً عندما يتحول الشخص المصاب إلى شخص قلق متوتر، أو عدواني مؤذٍ، يسلك أي طريقة ليلفت النظر حتى وإن خسر قيمته، وإن بطرق غير أخلاقية، وغير مشروعة. ومثل هؤلاء الأشخاص عادة ما ينكشفون في نهاية المطاف، لا سيما إذا تراكمت المماحكات، وأصبحوا منبوذين، واكتنفهم الغرور، وصاروا يتصرفون وكأنهم امتلكوا من القوة والنفوذ والمنعة ما لا يملكه الأقوياء الحقيقيون.
والثراء الفاحش إذا ملكه من يشعر بالدونية، ترى ثروته تتحول من نعمة إلى نقمة، وينتكس من رجل متزن إلى رجل مزيف، يُزوّر بأمواله كل شيء، ويرسم بثرواته قيمة لا تواكب قدراته ونفوذه ولا حتى حقيقة ثروته، فتراه يرشي ويشتري الذمم ويبعثر ثرواته وأمواله في سبيل أن يكون ذا سمعة، ووجاهة، ويرتدي من الأثواب ما لا يتناسب مع حجمه، ويرشي الشعراء ليدبجوا فيه القصائد العصماء، ويستأجر الإعلاميين لمدحه، ومدح ذكائه وفطنته؛ كل ذلك ليبدو أنه من أقوياء وأثرياء قومه، فيتحلق عليه الأفاكون وشذاذ الآفاق، طمعاً فيه، وطمعاً في بذخه وتبذيره وإسرافه، وما أن تبتدئ ثرواته بالنضوب، فإن نهايته ستكون مأساوية، ومآله سيكون مآل ذلك البُغاث الذي استنسر ذات يوم.
إلى اللقاء