د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نمرُّ بلحظات محفزة نحو المستقبل التعليمي الفاخر بإذن الله؛ فالمكتشفات المعرفية تحيطنا، وينهلُ منها أجيالنا. فهناك نتائج تجلَتْ، وأخرى نرقبُ ظهورها. ولدينا مستخلص يحمل توجهات بلادنا وقيادتنا، هو أن «ارتقاء التعليم يجب أن يستوطن تفكيرنا؛ لنصنع المستقبل». وهناك حتمًا معطيات كثيرة، تحدد أولوياتها للوصول للغايات بمستوى عالٍ من الكفاءة والفاعلية. ولتحقيق ذلك لا بد من فهم الصورة الكلية لمتطلبات التعليم ومكتسباته، ومعرفة ما تحقق النسخ الجديدة للتطوير الشامل. ودون ذلك الفهم يكون مستحيلاً إجراء أي توقعات موثوقة، أو وضع خطط تتمتع بفرص كبيرة من النجاح والاستمرار. وحتى نستطيع أن نجمع في داخل المدرسة الواحدة كل العوامل الأكثر أهمية التي تؤثر على شكل التعليم يلزمنا تصنيف ممنهج محوكم لما هو معروض من المدارس التي شكّلتها الحاجة إلى التعليم الكمي في أوقات مختلفة. ويمثّل تنفيذ استراتيجيات الإصلاح شطرًا من التحديات أمام القيادة التعليمية عندما يتعلق الأمر بتحسين الأداء من أجل التغيير، كما أن المفاهيم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستراتيجيات؛ فعندما نتقن صياغة المفاهيم، ونصنّف المدارس وفق التزامها بتطبيق تلك المفاهيم، فإننا نتقن حتمًا تحديد مستهدفاتنا في عمليات الإصلاح التعليمي. وهذه خطوة كفيلة بأن تضمن انحياز المنفذين وانضمامهم بشغف إلى عمليات الإصلاح!
وحيث اعتلى التصنيف المبني على معايير تقويمية مدارج عالمية عليا لتعزيز الثقة، وبث الدعايات الصادقة للمنتج المدرسي المعرفي والبشري الذي ينعكس إيجابًا على المتعلمين، ويقنع أولياء أمور الطلاب والقائمين على السياسة التعليمية بأن هناك أرقامًا مطمئنة تتحقق في الأداء التعليمي.. وتأسيسًا على ذلك يلزمنا هنا في بلاد الرؤية العملاقة 2030 استحداث نظام وطني محلي لتصنيف المدارس، واعتباره ضلعًا مكينًا في غرفة العمليات التطويرية للتعليم؛ لأن ما نلاحظه أن الجرعات التطويرية تنالها المدارس التي بلغت «سن الرشد»، وسواها على حد سواء؛ مما يضيّع فرصة التركيز والنهوض بالأدنى وهو موجود حتمًا. وحتى تتكامل أدوات التصنيف لا بد من استقصاء تام للمعلومات المستحصلة من عمليات التدريس، والناتج التعليمي داخل المدارس، وأن يُمثَّل سقف الأولوية في تلك الأدوات بدقة مما له تأثير مباشر على المخرجات التعليمية. وحتى لا ينحرف مؤشر التصنيف إلى نتائج مصفوفات رقمية، لا تغوص في المضمون وكفاءة التشغيل، واستثمار البيئة المدرسية، والطاقات البشرية! وحتى نصل إلى تصنيف مؤسسي صادق للمدارس، لا بد لهيئة تقويم التعليم والتدريب كجهة اختصاص وطنية من سياسة شاملة لصياغة إطار مرجعي دقيق لتصنيف المدارس. والأهم عدم المساس باستراتيجيات الإصلاح من قِبل التعليم إلا ونواتج التصنيف فوق الرؤوس وليست فوق طاولات النقاش، وحتى لا يفاجئنا الموج في الضفة الأخرى بحُزمةٍ من البرامج التطويرية، تنفَّذ على البالغين وسواهم من المدارس مما ينهك المنفذين، ويتسرب الخلل إلى أدوات التنفيذ ونظامه، وعندها تذوب النتائج!! ويترتب على جودة التصنيف صناعة القرارات المتجهة للأهداف الاستراتيجية العليا. ولا بد من دثار قانوني للتصنيف، يقوم على تقييم قانوني، يُضاف إلى معايير التصنيف الوطنية حال استحداثها. وهناك كيلة من التقاطعات، يجب الانتباه لها، والحذر من الغرق في أوحالها. كما أن هناك نزرًا من الجهود المحلية في مجال تصنيف المدارس بجهود خاصة، لا بد من تشريحها، ومعرفة أفضل الأساليب والممارسات وجوانب القصور. وفي أي نظام تصنيفي لا بد من النظر بعين فاحصة لمدخلات المدارس والخدمات المقدمة لها من المرجعيات المباشرة، ومدى كفاءتها وتأثيرها كمؤسسة تعليمية مجتمعية، وليس كأفراد ومرجعيات متعددة. وقد يلزم تنفيذ نظام تصنيف المدارس إجراء بعض التعديلات في السياسة التشغيلية وأنظمة الدوير لمنسوبي المدارس!
وبين معايير التصنيف والمدارس سوف تُقام حتمًا محطات تنطلق منها قطارات التطوير، يكون الطلاب جزءًا أصيلاً منها.. وحتى لا يختلط نابل هيئة تقويم التعليم والتدريب كجهة اختصاص رسمية بحابل وزارة التعليم كجهة حاضنة للتنفيذ في تحميل التصنيف متطلبات ليست منه في شيء، كما يتكئ الآن على المشاركات خارج المدارس لوصف تقدمها؛ فالمدارس تؤسس للمعرفة الشاملة فحسب، وما دون ذلك فرض كفاية! وذلكم دور الجامعات فحبذا أن «يعلم كل أناس مشربهم».
والخلاصة: إن تصنيف المدارس لازم تنظيمي، يجعل التعليم تحت المجهر والسيطرة. والتصنيف يجعل التخطيط التعليمي يتوجه بالمعلمين المتميزين لاستثمار قدراتهم التدريسية في دعم المدارس ذات الأداء الطلابي المنخفض. والتصنيف يمكّن الجهة المختصة بتقويم التعليم من مراقبة الأداء التعليمي، وضمان احترام المعايير المستحدثة للقياس الصحيح. كما أن التصنيف يحقق تبادل الأدوار في المجتمع التربوي باستثمار المتميزين في المؤسسات المدرسية من القيادات والمعلمين والمساندين الآخرين. كما يفرز التصنيف حتمًا قيادات تعليمية فاعلة، وكذلك إيجاد مرونة في استثمار العام الدراسي بسن تشريعات جديدة، وتطبيقها عند بعض الشرائح من المدارس حال تصنيفها، كتحويل العام الدراسي إلى ثلاثة فصول دراسية، وإقرار التعليم عن بعد كبديل ثابت، واستحداث مدارس يقودها أولياء الأمور، ويقومون بالتدريس فيها.. وغير ذلك كثير!
والأهم أن التصنيف سوف يوفر لجميع الطلاب فرصًا متساوية لتحقيق النجاحات!