سلمان بن محمد العُمري
العين حق فكم بسببها هدمت بيوت وأصيبت الأجساد بالأمراض والعلل بل وأوسد أشخاص تحت الثرى، وكم أُتلفَتْ من أرواح وأموال وممتلكات.
وطالما سمعنا عن قصص وحكايات عن أشخاص يملكون القدرة على إيذاء الآخرين، وإلحاق الضرر بهم، وأسرهم وممتلكاتهم، وتلك الفئة من الناس يملكون عيوناً شريرة، مما يجعل ذوي القرابة والأصدقاء وزملاءهم الحرص على إخفاء كل جميل عن هؤلاء خشية أذيتهم، ومما وصل الحال ببعضهم في التعمية على الحقيقة بالكذب، والتشكي عن حالهم ومآلهم خشية الحسد والعين. والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على حقيقة العين، ويقول: «العين حق، ولو أن شيئاً سبق القضاء لسبقته العين»، وقد ذكر البغوي في شرح السنة أن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً، فقال: (دسموا نونته كيلا تصيبه العين)، ثم شرحه بقوله: ومعنى «دسموا» أي: سودوا، والنونة: «الثقبة أو النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير».
إن على المسلم أن يتحصن ويحتاط بالأذكار والأوراد الشرعية، وبنفس الوقت يتوكل على الله، ويبتعد عن الوساوس، والمبالغة في الخوف المفرط من العين، مما قد يصل به الخلل في العقيدة وضعف التوكل على الله.
في هذا الزمن، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي كثرت الإصابة بالعين، حينما تم بث مقاطع الفيديو، والصور للتباهي والتفاخر بالمأكل والمشرب، والمركب والملبس، وفي السفر والحضر، مما عكر على الناس خصوصياتهم، وأصابهم القلق والهم، لما رأوه قد ألحق الضرر بأنفسهم وأهليهم.
لقد جاءت الإشارة إلى العين في القرآن الكريم على لسان يعقوب حين خاف على أبنائه فقال: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) سورة يوسف، وهكذا يفعل المؤمنون بتوكلهم على الحي القيوم ويأخذون بالأسباب في كل شؤون حياتهم.
ومع الإيمان بأن العين حق فيجب علينا الإيمان المطلق بأن الله سبحانه وتعالى هو الحافظ وألا نتجاوز بالخوف والحذر إلى حد الوسوسة والبعض يؤمن بأن العين حق، أكثر من إيمانه بأن الله خير الحافظين وهذا من ضعف الإيمان والتوكل على الله عز وجل، ومع العمل بالأسباب وفي مقدمتها التحصين بالأذكار الشرعية وغيرها يجب أن نؤمن بأن الله بيده مقاليد الأمور وهو على كل شيء قدير، (واعلمْ أنَّ ما أصابَكَ لم يكُنْ ليُخْطِئكَ، وما أخطأكَ لم يكُنْ ليُصِيبك)، وأن نعمل بوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ).[رواه الترمذي].
حفظنا الله وإياكم بحفظه من شر الأشرار، وكيد الفجار.