لقد اختفت أحلام الألعاب الأولمبية لعام 2020 في اليابان، والاقتصاد في حالة ركود، وتسببت جائحة كورونا بشكل مأساوي فيما يقرب من 1000 حالة وفاة وفق إحصاء في البلاد، ولكن إذا تحولت الطفرة المتوقعة هذا العام إلى حالة من الكآبة فقد تظل هناك أوقات أفضل في المستقبل بالنسبة لثالث أكبر اقتصاد في العالم؛ إذ يخرج ببطء وبشكل مؤلم من هذه الجائحة.
أولاً: الأخبار القاتمة القادمة من هناك، وكان هناك الكثير منها. فبعد المضي قدمًا بثبات في خطط إطلاق أولمبياد طوكيو في الموعد المحدد في يوليو 2020، مع تصاعد جائحة الفيروسات التاجية في جميع أنحاء العالم، اضطر المنظمون إلى مواجهة الواقع وسط ضغوط دولية متزايدة، بما في ذلك تهديدات بمقاطعة الرياضيين، وأعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في الرابع والعشرين من مارس أن الألعاب سيتم تأجيلها إلى ما بعد صيف 2021 لحماية صحة الرياضيين، وجميع المشاركين في الألعاب الأولمبية حسب مطلب المجتمع الدولي.
ومن المتوقع أن يكلف تأجيل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية والألعاب الأولمبية للمعاقين اللجنة الأولمبية الدولية ما يصل إلى 800 مليون دولار، بينما قد تصل تكلفة اليابان إلى مليارات الدولارات، وهو الوقت نفسه الذي سعى فيه منظمو طوكيو إلى تقليص النفقات، فإن تأجيل الحدث يمكن أن يضيف 2.7 مليار دولار أخرى إلى تكلفة استضافة الألعاب التي قدرت بالفعل بما يصل إلى 28 مليار دولار.
وكان من المتوقع أن تجذب الأولمبياد السياح إلى اليابان التي يقر الجميع بأن لديها سياحة رائعة، ولكن هذا الحدث كان سيزيد من ازدهار السياحة المزدهرة أصلاً الذي شهد رقمًا قياسيًّا بنحو 32 مليون زائر أجنبي في عام 2019، وكانت الحكومة تأمل في جلب 40 مليون زائر أجنبي في عام 2020؛ لذلك قامت بتجديد الفنادق، وضخ استثمارات المطار، وإطلاق عدد من شركات الطيران الجديدة، وتجهيز أكبر مدينة في العالم. كل هذه الأموال تم إنفاقها بشكل كبير على الألعاب التي كانت مقررة في يوليو 2020.
وعلى الصعيد السياسي - مثلاً - كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يأمل في تعزيز شعبيته الجماهيرية بعد استثمار رأس مال سياسي كبير في الأولمبياد، بينما كان يواجه حاكم طوكيو يوريكو كويكي تحدي إعادة انتخابه في يوليو مع إدارة الألعاب، ولكن الفيروس التاجي أصبح متصدرًا على رأس جدول الأعمال.
ومع ذلك، لا يرى جميع المحللين اليابانيين أن التأجيل كارثة مالية. وهنا يتجلى التميز الياباني في التعامل مع الأزمات، الذي جعل منهم متفوقين، حتى أن الناس صارت تسميهم بالكوكب الآخر.
طبعًا هناك من حاول بث الإحباط؛ فقد جادل كابيتال إيكونوميكس بأن معظم إنفاق الألعاب الأولمبية قد حدث بالفعل بحلول أوائل عام 2020، مع القليل من الأدلة من الأحداث السابقة، لكن لم يترك هذا الجدل تأثيرًا على الشعور بالارتياح الذي قد يحفز إنفاق المستهلكين.
نورد ما قاله الخبير الاقتصادي الياباني مارسيل ثيليانت في تقرير صدر يوم 21 فبراير: إن الإنفاق خلال الألعاب صغير بحد ذاته، ربما فقط 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وإنه يتم تحويل معظم الإنفاق المخصص لهذه المناسبة في مجالات أخرى من السياحة والترفيه. وقُدرت تكلفة الإلغاء بأقل من 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من قِبل شركة Nikko Asset Management (Nikko AM).
يقول الخبراء في اليابان، ومنهم ناوكي كامياما كبير الاستراتيجيين في الشركة التي تقدم ذكرها، إن هناك تبخرًا لعملية الطلب بسبب الفيروس التاجي، وسوف يساعد ذلك الاقتصاد العالمي، وكذلك اليابان؛ لذا فإن التأثير السلبي الهامشي للتأجيل لهذا العام ضئيل للغاية.
أعزائي، علينا أن نفهم أن الكوارث تقع في نفسياتنا أكثر من مادياتنا؛ لذلك علينا أن تكون نظرتنا دائمًا إيجابية. طبعًا لا نتجاهل الميزات التي يتمتع بها المواطن الياباني، ولكن بمقارنة بسيطة - مثلاً - قارن بين ردة الفعل عندما يحدث زلزال في دولة متقدمة ودولة من العالم الثالث. في الدول المتقدمة تُستأنف الحياة من اليوم الثاني، بينما تتعطل الحياة في الدول غير المتقدمة بشكل شبه تام، وتخيم المأساة على الناس، ويشعرون بأنها نهاية العالم؛ لذا على الإنسان أن لا يتوقف عن السعي، وأن تكون نظرته إيجابية للأمور.
** **
وائل عبدالعزيز النويصر - محامٍ سعودي - حاصل على الماجستير في القانون الدولي ويحضّر الدكتوراه حاليًا في أمريكا