محمد آل الشيخ
سبق وان كتبت قبل سنوات مقالا طالبت فيه بضرورة إصدار موسوعة توثيقية تحتوي على (وثائق التأسيس)، وهي تلك المكاتبات والأوامر والوثائق التي كان المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه قد أصدرها في بدايات تأسيس هذه الدولة. وحسب علمي فإن أغلبها محفوظ إما لدى أرشيف الديوان الملكي، أو لدى بعض المثقفين والمهتمين بالتراث والتاريخ، ولا بد أن ورثته قد حفظوها لديهم ضمن ما تركه مورثهم من وثائق. وقد قال لي المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن سليمان بن رويشد الكاتب والمؤرخ المعروف أن لديه بعضا منها، وهي بالتأكيد موجودة لدى أبنائه الآن. وهذه الوثائق تحتوي في مضامينها على كنوز موثقة تحكي عن الجهود العظيمة التي بذلها هذا الرجل الفذ، ورجاله المؤسسون الاوائل، التي مكنتهم من تأسيس هذا الوطن الشامخ والمحوري في المنطقة، بل والعالم العربي. ومثل هذه الوثائق هي مادة خام، ومصدر ثري، لمن أراد أن يطلع على تاريخ المملكة الحقيقي، والتحديات الكبيرة، والعقبات الكأداء، التي واجهها ذلك الملك العظيم ومن شاركه في إقامة هذا الكيان الشامخ. وقد حاولت جاهداً تتبع كل من كتبوا عن ملحمة التأسيس، من عرب وأعاجم، ولا أدعي أنني أحطت بها كلها، ولكنني أزعم أني قرأت بعضها على الأقل، وخرجت بانطباع مؤداه أن تاريخ الملك عبدالعزيز لم يكتب حتى الآن كما يجب أن تكون الكتابة، ولم تُحلل تفاصيل حوادثه كما يجب أن تحلل، والسبب الرئيس في تقديري أن أغلب هذه الوثائق التي تحكي هذا التاريخ ما زالت مشتتة ومتفرقة وغير مجمعة ومبوبة ومفهرسة، وأعتقد أن أول خطوة للحفاظ على هذا التاريخ تكمن في نشر موسوعة جامعة ومبوبة ومفهرسة باسم (موسوعة وثائق التأسيس)، تبدأ من فتحه للرياض وحتى وفاته رحمه الله؛ لا سيما وأنه طوال زمن التأسيس كان يُملي أوامره وتعليماته وتوجيهاته، وكان كتاب معروفون، ومعروفة خطوطهم، ينسخونها تماماً كما تلفظ بها، وبعد أن أسست (البرقية) استخدمها في التوجيه وإصدار الأوامر والتعليمات، للعاملين في أرجاء المملكة المترامية الأطراف. اضافة الى أن لدى (معهد الإدارة) جزءا وفيرا من هذه الوثائق، تحكي جزءاً من تاريخ تأسيس الجهاز الإداري وبواكير نشأته، إلا أنها تظل محفوظة في أضابير المعهد، ولم يضطلع أحد بنشرها للعموم.
كما أن هناك قسماً في غاية الأهمية، عن وثائق التأسيس في الأراشيف الأجنبية خارج المملكة، وخاصة الأرشيف البريطاني، وجزء في الأرشيف العثماني وكذلك الفرنسي والأمريكي؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن أصدرت مؤسسة الدائرة بتمويل من الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، جزءا كبيرا من هذه الوثائق، وأشرف عليها الدكتور الأنثروبولوجي المعروف سعد الصويان، ولاشك أنها كانت خطوة هامة ورائدة، ويشكر سموه عليها، ولكنها في حاجة إلى متابعة وتكملة، الأمر الذي يتطلب أن تكون من مهام أي مؤسسة أو هيئة يتم تكليفها بهذه المهمة التاريخية العظيمة، وتكملة ما بدأه الأمير خالد بن سلطان.
ونحن إذا أهملنا هذا التاريخ، ولم نعتن بتوثيقه وتحليله وتحقيق محتوياته فلا بد أن ينتهز ذلك الغياب آخرون، ويقومون بإصداره، إما لأسباب تجارية، تبحث عن الإثارة والتضحية بالتحقق، أو لأسباب كيدية مغرضة، لا سيما وأن هناك كثيرين يتلقطون كل ما يسيء للمملكة وتاريخها الماضي والحاضر.
ولأننا في زمن أصبح فيه الإعلام المرئي والأعمال الدرامية هي أسهل وأقصر الطرق لتكريس وتجذير الانتماء الوطني، خاصة لدى الأجيال الشابة، فإن عملا كهذا سيشكل مادة ثرية تُمكن أصحاب الاختصاص من الروائيين والإعلاميين من استخلاص بعض الصور والأحداث والقصص، وتقديمها في أفلام سينمائية، أو مسلسلات وثائقية تلفزيونية إلى المشاهد العربي والأجنبي.
لذلك فإنني أرفع إلى مقام أميرنا الأمل محمد بن سلمان، مقترحا أن يتم تكليف متخصصين تاريخيين وأنثروبولجيين لتنفيذ هذا العمل التاريخي والفكري العظيم، وكلي ثقة أن أميرنا الشاب الطموح سيولي هذه الأمنية التي يتمناها كل وطني مخلص لهذه البلاد جلّ اهتمامه.
إلى اللقاء