فيصل خالد الخديدي
التكريم مبدأ إنساني وسلوك تربوي وإداري يقدَّم لمن يستحق التقدير والثناء بمختلف أشكاله على تميُّز قدَّمه، وهو محفِّز لاستمرار العطاء وشحذ الهمم لمزيد من التميز، وخير تكريم يحصل عليه الشخص المميز في حال كان بصحة جيدة وبين أحبابه ومقدريه ، ويمتد التكريم ليكون نوعاً من الوفاء لمبدعين رحلوا وتركوا منجزهم خالداً يستحق التكريم والوفاء والإشادة، والوفاء كما يراه الغزالي هو « الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه «.
وتتنوع أشكال التكريم والوفاء في الساحة الثقافية بشكل عام والتشكيلية بشكل خاص فأصدقها وأهمها ما يكون في حياة المبدع ويشعر بإحساسها، ويرى التقدير في عيون مكرميه ويجد اثر منجزه فيمن قدروه مهما كبر هذا التقدير أو صغر وبأي شكل قدم ، ويأتي أيضاً بعد ذلك تكريم الفنان والمبدع بعد رحيله كنوع من الوفاء له والعرفان بمنجزه ، ويحظى به عادة أبناء المبدع وورثته ويكون تخليداً لذكراه أكثر منها تقديراً للراحل.
ولعل من أبرز وأهم أشكال التكريم والوفاء في الساحة التشكيلية المحلية والذي بدأ على أنه مهرجان لتكريم مبدع في حياته وانتهى به الأمر لمهرجان وفاء لمبدع قد رحل ، (مهرجان الوفاء لتكريم الفنان الرحل محمد السليم رحمه الله) الذي بدأه الفنان سعد العبيد (رحمه الله ) هو وبعض أصدقاء السليم قبل رحيله، وبإصرار وحماس العبيد استمر في التنسيق والإعداد لهذا المهرجان حتى بعد أن رحل السليم ليصنع نموذجا مختلفا ومميزا في الوفاء يصعب تجاوزه ومجاراته حتى بعد أكثر من عشرين عاما من إقامة هذا التكريم ، ففي العام 1419 هـ أقيم مهرجان الوفاء لتكريم الفنان الراحل السليم ، وقام العبيد بعلاقاته ومحبته في الساحة بتنظيم ذلك المهرجان الذي عرض فيه 317 عملاً بين نحت ورسم وتصوير لعدد 107 فنانين وفنانات من السعودية، ومستنسخات لأعمال فنانين سعوديين أيضاً عاد ريعها بالكامل الذي تجاوز المليون ريال في أول يوم للمعرض لأبناء المرحوم السليم.
ولم يتوقف الأمر في هذا المهرجان على ذلك بل أقيمت الندوات النقدية قُدمت فيها قراءات لأعمال السليم قدمها عدد من النقاد السعوديين والعرب المقيمين في السعودية على مدار أيام المعرض، وكان نموذجا حقيقيا وصادقا لمهرجان الوفاء استهدف الوفاء والتقدير للراحل وأبنائه وذويه فقط، لم يكن مهرجانً نفعياً لمنظميه ولا مدعاة للظهور ولاستعراض للمنظمين على حساب سمعة الفنان الراحل، بل كان فعلاً ووفاءً صادقاً وحقق أهدافه باقتدار ليبقى علامة مميزة يصعب تجاوزها، بل درس لكل من حاول أن ينظم أو يفكر في التكريم والوفاء لأي مبدع أنه هكذا يكون التكريم والوفاء والذي تعود منفعته الأولى والأخيرة للفنان المبدع وذويه فقط.