د. حسن بن فهد الهويمل
المشهد الأدبي متاح لكل ناقد، وقضاياه ليست مقدسة، ولا متحكمة بمصير الأمة، ومن ثم فالاختلاف لا يزعج أحداً من الناس، ومن أخرجته الآراء المخالفة عن طوره، فهو متعصب، منغلق على نفسه.
في موقعي غردت بمساوئ [المتنبي] وببعض محاسنه، ولم أزد على المتداول بين النقاد المتقدمين والمتأخرين، الأمر الذي أثار المشهد، وحشد الردود، وأسفّ البعض، وتفحش آخرون، لم أكترث، بل رحبت بالاختلاف، شريطة أن يدار بالتي هي أحسن. المتنبي مجهول: العقيدة والنسب، هذه قضية شائعة. ولم يخرج النقاد، والمؤرخون به في عقيدته عن القرمطية، والتشيع، وشعره متخم بـ[النرجسية] المتمثلة بعشق الذات، وتضخيمها.
الاختلاف مشروع، بل هو مطلوب، ولكن الإشكالية في سوء إدارته. [المتنبي]خلده الاختلاف، ولولاه لعبر المشهد بكل هدوء.
أنا من المعجبين بالمتنبي، ومن المغرمين بشعره، وحقله في مكتبتي من أوسع الحقول، وعندي عشرات الشروح والدراسات. والاحتفال الألفي بموته 1354 أعاده للمشهد الأدبي بشكل جديد، وبخاصة أن ألفيته جاءت في زمن العمالقة: شاكر، وطه حسين، وعبدالوهاب عزام. وتلك رغبة المتنبي في مصيره، ومصير شعره، سهر عليه، وخصومه.
المتنبي شاعر ثائر، لا يروق له الخمول. فيه أنفة زائفة وكبرياء ممجوجة. خصومه ليسوا حاسدين بالضرورة، لقد ضايقهم جبروته، وكثرت وشايتهم به عند مثله الأعلى حتى مل منه، وما كان بوده أن يفارق، ولكن [سيف الدولة] ضاق بغطرسته ففارق مكرهاً وقال مودعاً:-
{إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألا تفارقهم فالراحلون هم}
سيظل المتنبي إشكالية المشهد النقدي. في مقاربته عناء.
لقد شكل اختلاف النقاد حول ذاته وشعره تحولاً في مناهج النقد، وآلياته، ومصطلحاته، ولكن البعض بضيق عطنهم، كادوا يفسدون هذا الحراك الحيوي، حتى لقد كانت أرضهم ملغمة، وأدمغتهم مفخخة.