م. خالد إبراهيم الحجي
إن العلاقة بين التنمية المستدامة وتطور المجتمع الحضاري علاقة وثيقة وقوية ذات اتجاهين؛ أي أن كلاً منهما يؤثر في الآخر؛ والرؤية السعودية التي اعتمدت في بنائها وصياغتها على البيانات الدقيقة، والإحصاءات الحديثة، والتخطيط السليم لم تغفل أهمية طرفي تلك العلاقة القوية: فمن أحد الجانبين، التنمية المستدامة محرك حاسم لتطوير القوى البشرية اللازمة لتحقيقها، ومن الجانب الآخر، تطوير القوى البشرية يتطلب تمكين مكونات المجتمع من الشباب والرجال والنساء، والمقيمين والوافدين والمستثمرين، ورعاية الحلول المجتمعية واستدامتها.. وبصرف النظر عن البيانات والإحصاءات، فقد أصبح استخدام التكنولوجيا في المجتمع السعودي للاتصال والإبداع أكثر اعتماداً على المنصات الإلكترونية، والبرامج الحاسوبية، وأنماط التكنولوجيا الأخرى، لذلك يمكن للمؤسسات الاجتماعية أن تلعب دورًا أكبر في العالم الرقمي. وتأسيس حاضنات التقنية التي تدعم الابتكار الاجتماعي، وتشكل أحد الأمثلة العملية على كيفية تسخير التكنولوجيا من أجل الصالح العام؛ لأن التعاون الاجتماعي المتبادل وسيلة مهمة من أجل تحقيق الخيال الاجتماعي الذي يُمكننا أن نتصور برامج الأبحاث المختلفة، وقد اجتمعت تحت مظلتها الفئات والنشاطات التالية:
أولاً: أصحاب المصلحة، مثل: المشرعين، ورواد الأعمال، والمحسنين وأهل الخير، وتحفيز طاقات الابتكار المتاحة، وتركيزها كي تنتج الوسائل المعيشية المناسبة، وطرق الحياة العملية الحديثة التي بواسطتها نستطيع ترشيد الاستهلاك، بجميع صوره وأشكاله وعلى رأسها الاستهلاك الغذائي والمائي والبيئي الكارثي، والتحول من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية القابلة للنضوب إلى استخدام مصادر الطاقة النظيفة المتجددة.
ثانياً: مراكز الأبحاث العديدة المنتشرة في أنحاء المملكة العربية السعودية التي يتجاوز عددها نحو 160 مركزاً بحثياً، التابعة للهيئات الحكومية والجامعات والوزارات، وتتحرك في اتجاهات مختلفة، ولكنها غالبًا ما تهدر حماسها وطاقتها في مشاريع لا تقدم مساهمات حقيقية في إنشاء معارف مشتركة مفيدة، ملموسة على أرض الواقع.. ومن المحتمل أن تكون هناك عدة أسباب لوضع مراكز الأبحاث المقلق، ولكن من وجهة نظري، فإن أحد الأسباب الرئيسية هو الافتقار إلى الرؤى المشتركة. بمعنى آخر؛ هناك نقص في الأفكار والمفاهيم المشتركة حول ما يمكن أن تكون عليه طرق التنمية المستدامة التي يسعى الجميع لتحقيقها؛ لهذا السبب، يوجد نقص في الخيال الاجتماعي الذي يتطلب المعالجة السريعة.. أقترح رؤية عامة لمعالجته، تتمثل في سيناريو الرؤية الموحدة للمجتمع المحلي الذي يشتمل على بعض الاتجاهات البحثية الواعدة. والتجارب الاجتماعية التي يتم من خلالها اختراع واختبار طرق مختلفة للعيش.. ولتوضيح المقصود، لنأخذ -على سبيل المثال- المجتمع الحضاري المعاصر الذي تظهر فيه حالات الابتكار الاجتماعي في شكل سلوكيات جديدة، وطرق عصرية للعيش، بعضها حالات سلوكية تفشل وتصبح عاجزة عن الاستدامة، والبعض الآخر حالات واعدة مستديمة.. مثال على الحالات السلوكية التي فشلت ولم تدُم: مرافقة الرجل المحرم للطالبة المبتعثة للدراسة في خارج المملكة، الذي أصبح لاغياً مع إعلان رؤية المملكة الجديدة، ومكنت المرأة البالغة من السفر إلى خارج المملكة من دون محرم، بوصفها مسؤولة عن نفسها.. والحالات السلوكية الواعدة المستديمة، مثل:
«1» تمكين المرأة من قيادة السيارة، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في بيئات العمل المختلفة.
«2» استحداث مسارات جديدة لتمويل الابتكار الاجتماعي، مثل: انفتاح المجتمع على ثقافات وحضارات العالم عن طريق تحويل المملكة إلى وجهة سياحية عالمية.
«3» استقطاب المستثمرين وتوفير التسهيلات اللازمة لهم للاستثمار في السعودية واستدامته.
«4» استثمار الفرص غير المستغلة سابقًا في المجتمع التي تؤدي إلى التطور الحضاري السريع، مثل: تشخيص مواطن الغلو الديني في المجتمع وعلاجها، وتعزيز التسامح الديني الوسطي المعتدل، ومنح المرأة البالغة حق الولاية على نفسها.. وقد تم تطبيق هذه الحلول الاجتماعية والتمكين على أرض الواقع في وقت قياسي، وفق العقيدة الإسلامية الصحيحة، والتعاليم الدينية السمحاء، وسياسات الرؤية السعودية الجديدة وأهدافها المرسومة، المدعومة بالأنظمة القانونية المتقدمة، المتوافقة مع المعايير الدولية التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي في مجتمع سعودي مستقر، مكوناته من القوى البشرية المنسجمة مع بعضها البعض، وتقع على عاتقهم مسؤولية الاستدامة الحضارية السعودية.
الخلاصة:
الرؤية السعودية مُعجِّلة ومُسَرِّعة للتقدم الحضاري.