زكية إبراهيم الحجي
قد يبدو عنوان المقال لافتاً بعض الشيء.. إلا أن المتأمل فيه بعين العقل سيشعر بأنه الجوهر الملامس لحياة أي مجتمع من المجتمعات ودوره يشكل حجر الزاوية في رسم السياسات الناجعة والحد من الخسائر الناجمة عن تراكم الأزمات.. يعد مورداً شخصياً يمكن أن يُحقق مصالح شخصية في أكثر من سياق.. هو قابل للتداول والاستخدام كما أنه قابل للتراكم وذو فعالية مهمة وعظيمة في كافة مناحي الحياة لن يشعر أي فرد أو مجتمع من المجتمعات بالخسارة عند تداوله.. باختصار شديد فإن ما يشير إليه العنوان هو «رأس المال الاجتماعي» أو ما يطلق عليه «اقتصاد الحب غير المأجور»، فإذا كان الكم مقياساً لرأس المال النقدي.. وإذا كان التعليم والتعلم والمعرفة والإبداع مقياساً لرأس مال العقل والفكر فما هو مقياس رأس المال الاجتماعي؟
يُعد مفهوم رأس المال الاجتماعي من المفاهيم التي تُشير إلى رصيد القيم والفضائل الأخلاقية التي يمتلكها الإنسان والأسرة وجميع أفراد المجتمع وتلامس حياتهم اليومية وتتجسّد في علاقاتهم الاجتماعية وقيمته تكمن في قدرة الأفراد على العمل معاً داخل شبكة من العلاقات المشتركة مما يؤدي إلى تعزيز قيمة العمل الجماعي وتحقيق الترابط الاجتماعي والتفاعل المشترك من خلال الثقة المشتركة.. الثقة اختبار جوهري لمدى فاعلية العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الجميع سواء على مستوى أفراد الأسرة الواحدة.. أو على مستوى محيط المجتمع أو في إطار عمل الموظفين والعاملين في الأبنية الرسمية كالمؤسسات الحكومية والقطاعات الخاصة وغيرها.. إذن لم يعد ما يُسمى رأس المال ذلك المفهوم التقليدي الذي ازدحمت به أدبيات الفكر الاقتصادي أو الإداري خلال العقود المنصرمة من القرن العشرين، فالأفراد هم رأس مال وعنصر استثمار.. كما أن الثقة والقيم الأخلاقية الفاضلة تُعد من عناصر رأس المال.. أما المعارف والكفاءة الذاتية فتمثِّل جانباً منه.. وبناءً على ذلك فإن أهمية رأس المال الاجتماعي تكمن في كونه مصدراً من مصادر التمويل السلوكي للأفراد والمجتمع والمؤسسة سواء كانت حكومية أو خاصة
يمثّل رأس المال الاجتماعي مؤشراً بارزاً تجاه تنمية بشرية مستدامة نظراً لأهميته ومسؤوليته نحو تحقيق التنمية في مختلف المجالات وبالتالي يمكن اعتباره ضرورة لتجاوز حدود حسابات المصالح الذاتية الضيقة.. وبفضل تكنولوجيا المعلومات برزت نوافذ متعددة أدت إلى تعزيز رأس المال الاجتماعي.. وأدت إلى تراكمه من خلال تعميق التشابك الاجتماعي وتفعيل القيم الأخلاقية والسلوكية.. مما سبق تتضح أهمية رأس المال الاجتماعي، حيث يُعتبر في خط موازٍ لجميع أنواع رؤوس الأموال المتداولة اقتصادياً، إلا أن الاختلاف يكمن في عدم توافره في الواقع المادي وإنما في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وتراكم هذا النوع من رأس المال يُعد مفتاحاً لنمط جديد من تنمية أكثر إنسانية واستدامة.