أ.د.عثمان بن صالح العامر
في هذه الأيام - خلاف بقية أيام العام - تتابع شريحة عريضة من جميع طبقات المجتمع السعودي تحركات الطقس وأحوال المناخ بشكل كبير، سواء عن طريق المواقع العالمية المعروفة، أو من خلال قراءة وسماع تغريدات أو سنابات الخبراء أهل الاختصاص، أو عن طريق سؤال أهل الدراية والخبرة المعروفين عند أقاربهم وأصدقائهم وزملائهم ومن حولهم باهتمامهم الشديد بتتبع المنخفضات الجوية وتحركاتها اليومية، ويتناقل الكل صور الغيث الذي عم - بفضل الله ورحمته - هذه الأيام جميع مناطق المملكة بلا استثناء، وسالت على أثره الأودية والشعاب الكبير منها والصغير على حد سواء، وفِي وسط الفرح بما منّ به الرب علينا من خير عميم يحزنك صور الشباب الذين يجازفون بأنفسهم وبمن معهم فيقطعون الأودية والشعاب بكل جسارة وإقدام وكأنهم يخوضون معركة تحدٍّ مع القدر الذي أنذر الله به وحذر، بل قصّ علينا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم كيف أهلك به أقوم وشعوب بأكملها، وكيف دمر ومحا قرى ومدناً كانت ذات حضارة وتاريخ.
إن معرفة مواطن الأودية والشعاب ضروري لكل مواطن ومقيم حتى يتسنى لمن خرج للبر الحذر منها، وعدم المبيت فيها، وتجنب المجازفة في قطعها وهي مقبلة هدارة.
السيارات لم تصنع لنلعب بها لعبة الموت، بل سخرها الله لنا وسيلة متقدمة ننتقل بها من مكان لآخر بسهولة ويسر، وما أجمل أن نوظف الشيء لما وجد له، كما أن هذا الكون الذي أبدعه الخالق عز وجل ويسر للناس سبل العيش فيه جعل له سبحانه وتعالى سنناً ربانية الواجب على المرء معرفتها والتعامل معها كما هي من الله، ومتى أدرك الواحد منا، وعرف، ونقل هذه وتلك (المعرفة والإدراك) إلى حيّز الفعل الواعي صرنا شاكرين لله عز وجل رزقه لنا هذا الغيث المبارك، وجعلنا فرحتنا به تكتمل، وفِي ذات الوقت أصبحنا عوناً للعاملين في الميدان من رجال الدفاع المدني وفرق الإنقاذ التي تبذل جهداً مضنياً في مثل هذه الأيام كل عام سواء في تتبع الشباب والعوائل العالقين في الأودية جراء تهور لحظة غير محسوبة العواقب للأسف الشديد وإخراجهم من غرق وشيك، أو في الإرشاد والتوعية والتوجيه بخطورة الحالة الممطرة غزيرة كانت أو متوسطة والتنويه بوجوب البقاء في المنازل وتوقي الحيطة والحذر. أكتب هذا المقال بعد أن شاهدت عدة مقاطع وصلتني مثل ما وصلتكم عن مخاطرة ومجازفة البعض في قطع أودية تسيل بشكل جارف، وكانت النهاية - للأسف الشديد - مأساوية ومحزنة، ولذا كان لزاماً التذكير بوجوب أخذ الحذر من قبل الجميع حتى لا تتكرر الحوادث المؤلمة التي ربما كان ضحيتها فلذات الأكباد الذين لم يعرفوا بعد الثمن الذي قد يدفعه الواحد منهم جراء إقدامه على مجازفة مثل هذه، سواء أكان هذا التصرف المشين بدافع التحدي من قبل من معه، أو التحفيز والتشجيع والتصوير من الواقفين على جانب الطريق (إيه ياذيبان) أو الثقة المبالغ فيها بما يملك من مهارة في القيادة، أو عدم إدراك منه ووعي بشدة حال الوادي حين يصبح هداراً فهو يسلب السائق إمكانية التحكم باتجاه تحرك السيارة، ويصير السيل هو من يوجهها حتى تغرق. حفظ الله الجميع، ووقانا سوء القدر، وجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأمن وأمان وإلى لقاء والسلام.