سهوب بغدادي
تعد الموسيقى مرآة تنعكس فيها مرئيات وماهية الشعوب وثقافاتها المتعددة، فيما يتجلى من تطور الموسيقى وإضافة الآلات الموسيقية ابتداء من العصور الوسطى والنهضة وعصر الباروك المتميز بالموسيقيين المفضلين لدى الكثير منا كفيفالدي وباخ، مرورا بالعصرين الكلاسيكي والرومنسي، ووصولا إلى حقبة 1900 وما بعدها، حيث تحمل الموسيقى في كل حقبة زمنية قصة وعبرة ولمحة عن أبرز ما يدور في الفترة سواء كانت أمورا إيجابية أم نكبات كالحروب والجوائح وما إلى ذلك. في الوقت الذي تعد الموسيقى لصيقة للفنون الأخرى كالمسرح والفيلم؛ فتطور أحد الفنون يعني تطور أو تكيف الفنون الأخرى معها طرديا. من هنا، لطالما ظننت أن الموسيقى ذات الطابع الغربي حكر على الغرب فقط وأن لنا خيارين لا ثالث لهما، الاستماع لنتاجهم أو التغني به. إلا أن نظرتي تبدلت بشكل مفصلي بعد لقائي الموسيقار السعودي الأستاذ منصور مفتي، وهو أول مؤلف سعودي لأوركسترا (غربية)، الذي شرح لي مشكورا الفروقات الموسيقية ورؤيته لمكانة الموسيقى المحلية والموسيقيين السعوديين في المستقبل، يجدر بالذكر أن الموسيقار مفتي بدأ مسيرته في عزف البيانو منذ الخامسة من عمره، ليتدرج في الإبداع وألوان الإيقاعات، لينسج لنا أعذب الألحان والمقطوعات الخاصة به، كمقطوعته الأخيرة التي عنونها بـ(سحر الرياض) والتي ألهمته فيها مدينته الرقيقة والحالمة بكثبانها وعراقتها ليترجم مشاعره تجاهها عبر مفاتيح البيانو. بالعودة إلى نطاق الأوركسترا، نجد أنه أسيء تعريفها مؤخرًا باعتبارها فقط مجموعة من العازفين الذين يتواجدون في مكان واحد، فتدعى هذه (فرقة موسيقية)؛ إنما الأوركسترا لها قواعد وأساسات فتضم الآلات الوترية وآلات النفخ والآلات الإيقاعية والآلات المفتاحية كالبيانو. من هذا السياق، أكبر دور وزارة الثقافة المتميز خلال الفترة القريبة الماضية، فيما شهدنا بروز هيئات فريدة تعنى بالفن والثقافة والأدب إذ تصب كل هذه الجهود في نبع واحد ألا وهو عكس صورة إيجابية عن المملكة وأبنائها فضلاً عن إعادة تشكيل الهوية الفنية الوطنية في الخارج والداخل على حد سواء، باعتبار الثقافة والفنون المختلفة أحد عناصر الدبلوماسية العامة الجامعة لأذرع القوة الناعمة.
من هنا، يستحسن بهيئة الموسيقى أن تنشئ قاعدة بيانات للموسيقيين السعوديين، إذ تتيح للطرفين الاستفادة والإفادة، كمعرفة نوع ونمط الموسيقى التي يعزفها الموسيقي وآلته الموسيقية وهل يستطيع العزف ضمن مجموعة أو حتى أوركسترا، والأهم من ذلك ترشيح الموسيقيين من أبناء وبنات الوطن في المحافل الموسيقية العالمية المقامة بشكل دوري. فما أجمل من أن نرى فنانا سعوديا في محفل عالمي، وقد تعالت الهتافات له، الصورة هذه بحد ذاتها مبهجة. أخيرًا، بالتعريج على الموسيقى والتأليف وحقوق الموسيقيين والمؤلفين يجدر بوزارة الثقافة إيجاد تعاون سريع يجمعها بهيئة الملكية الفكرية بهدف توثيق أعمال ونتاج الموسيقيين نظراً لكون أعمالهم فريدة ويعمد البعض نشرها على حساباته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها منصة يوتيوب إذ يعرض أعمالهم لانتهاك حقوقهم الفكرية أو سوء الاستخدام.
«حلمي أن أعزف البيانو مع أوركسترا عالمية وأن أمثل وطني عالميا وأن أكون الخيار الأول في الأعمال الفنية الرفيعة».. الموسيقار منصور مفتي.
«ليست أحلام أستاذ منصور بل هي أهداف محققة بإذن الله»..