سعود عبدالعزيز الجنيدل
«لم ننجح في تسويق قصتنا خارجياً. لم ننجح في تسويق حقيقتنا خارجياً».
«الأداء غير مرضٍ تماماً، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته».
هاذان الاقتباسان جزء من كلام معالي وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي، في مناسبتين مختلفتين... أردت من خلالهما توطئة المقال في جزئه الثاني لتسليط الضوء على أبرز ما يواجه الإعلام من وجهة نظري - وهو رأي أعرضه ولا أفرضه كما يقول دكتورنا الغذامي -.
فالدكتور القصبي بحكم خبرته الطويلة والعريضة في مجال التجارة والتسويق، رأى «أننا لم ننجح في تسويق قصتنا وحقيقتنا خارجياً»، وحينما قال هذا الكلام في منتدى الإعلام السعودي - الذي ينم عن فطنة ومعرفة كبيرة بالإعلام وصناعته - كان في دور المتلقي والمشاهد الذي يتلقى ويرى ما يقدمه الإعلام السعودي، بحكم أنه كان ولا يزال وزيراً للتجارة.
وحينما تسنّم هرم وزارة الإعلام - مكلفاً - صرّح بعد اجتماعه مع قيادات وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها بصفته المسؤول الأول عن الإعلام وصناعته أمام القيادة الرشيدة بقوله: «الأداء غير مرضٍ تماماً، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته».
هاتان المقولتان وإن قيلتا في مناسبتين مختلفتين إلا أن مضمونهما واحد.. الإعلام لم ينجح!
ولو أردت تسليط الضوء على أسباب ذلك، يبدو لي أن كثيراً من المعوقات التي تكبح جماح نجاح صناعة الإعلام، يعود كثير منها إلى ما قاله الدكتور فهد الطياش وهي: «غياب السياسات والوظائف - الخلط بين النموذجين الحكومي والخاص - ضعف بناء الكوادر والكفاءات - ضعف البناء الداخلي والهيكلي - غياب الأبحاث والتطوير - تكرار الجهود وزيادة الهدر»، وأضيف إلى ذلك القيود المفروضة على الإعلام وتقييده.
ومن تكرار الجهود، أذكر أنني عندما كنت مشاركاً في لجنة داخلية مع بعض منسوبي وزارة الإعلام والهيئات التابعة لها، فوجئت عند سماعي للأدوار التي يقوم بها الزملاء في بعض الأقسام والهيئات بازدواجية الأدوار، فالعمل المقدم واحد، ولكنه يقدم من أكثر من قسم أو هيئة، وهذا زيادة في الهدر...
ومن بعض الملحوظات أيضاً نقص المهارات الأساسية للإعلامي، فمثلاً لو تطرقت إلى مجال إعلامي مهم، وهو «تحرير الأخبار»، فلا يقبل بحال من الأحوال أن يكون المحرر غير متقن لأدوات التحرير المختلفة من صياغة وإتقان للغة العربية، واختزال وفهم للمحتوى المقدم... وإضافة إلى ذلك إتقان لغة أجنبية «الإنجليزية كحد أدنى»، فأثناء وجوده في مختلف المناسبات والتغطيات بكل تأكيد سيصادف مشاركين من دول عدة، فأخذ تصريحات من قبلهم يلزم إتقانه اللغة الإنجليزية - لا أومن بوجود المترجم لاختلاف الفكر والفهم عن المحرر – إضافة إلى لقائه مختلف المحررين من وكالات أجنبية، ليبين لهم الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في المجالات كافة لتحقيق رؤية 2030... وأتذكر في إحدى المناسبات الاقتصادية المهمة كان المركز الإعلامي مكتظاً بمختلف الوكالات العربية والأجنبية... وكانت الحوارات والجلسات المعقودة في القاعات تنقل مباشرة عبر الشاشات باللغة الإنجليزية... وكان أحد المحررين التابع لوكالة أجنبية يسمع مباشرة ما يقال ويحرر باللغة الفرنسية - ونحن نعاني عدم فهم ما يقال حتى مع الترجمة، ونقع في إشكاليات كثيرة عند تحويل النص إلى اللغة العربية، فكأن النص يمر بثلاث دوائر اللغة الإنجليزية «المتحدث» - اللغة العربية «المترجم» - اللغة العربية «المحرر»! – وأعود إلى قصة صاحبنا الإعلامي، الذي يحرر خبره باللغة الفرنسية... إذ حينما سألني أحد زملائي عن كلمة عربية وكيفية كتابتها وهل هي مذكرة أو مؤنثة، بحكم تخصصي، تفاجأت بصاحبنا الذي يعمل لوكالة أجنبية يدلي بدلوه في المسألة ناقلاً ما قاله كبار المتقدمين من أهل اللغة العربية! عندها نظرت إليه متأملاً ومتعجباً من الكفاءة اللغوية التي يملكها، وهو يتقن بلا شك وريب ثلاث لغات في غاية الأهمية...كم نحن في أمس الحاجة إلى ذلك.
وختاماً أقول بكل شفافية ومصداقية إن ما ينقصنا كإعلاميين، من أجل صناعة إعلام حقيقي كثير، وبحكم عملي في مجال الإعلام الحكومي الرسمي، أرى أننا بحاجة إلى كثير من المهارات، إضافة إلى رؤية واضحة ترسم لنا معالم الطريق - سأتطرق إليها في المقال الثالث والأخير -، فكل شخص يمارس الإعلام أياً كان نوعه ومجاله يجب عليه الارتقاء بعمله وتجويده وإتقانه للوصول إلى الأداء الإعلامي الاحترافي... فالقيادة الرشيدة لم تأل جهداً في توفير كل ما نحتاج إليه.