الإنسان مهما علا شأنه، وطال به زمانه، لا بد أن يقع في الخطأ؛ لأنها طبيعة البشر. والإنسان العاقل هو الذي يستفيد من أخطائه، ولا يستمر فيها.
نظريًّا، تكاد تكون آليات إعداد استراتيجية للتراجع عن الأخطاء واحدة في المجالات المختلفة؛ فالأخطاء التي نرتكبها في حياتنا الاجتماعية أو حتى في علاقتنا مع الآخرين تحتاج إلى معادلة لإصلاح النفس ذاتها.
إن العاقل هو الذي إذا وقع في خطأ سارع لتصحيحه وتعديله. والاعتراف بالحق فضيلة، ومن شيم الكبار التراجع عن الأخطاء والاعتراف، وهذا يدل ذلك على رجاحة العقل، وصواب الرأي. وكل منا لديه محطات في حياته يتراجع عنها، ويصحح المسار، ويعالج الأخطاء التي يقع فيها قبل أن تستفحل ويصعب علاجها، وتصبح هذه الأخطاء معضلة يعيشها وتنغص عليه في سير حياته، وتعكر عليه صفوها.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون). فهي دعوة صادقة للتراجع عن الأخطاء.
لنتراجع عن الأخطاء، لنتراجع عن المعاصي والذنوب، لنتراجع عن التقصير والإهمال، لنتراجع عن العقوق وعدم صلة الأرحام، لنتراجع عن العنصرية والفساد، لنتراجع عن التسويف والاهتمامات الدنيئة، لنتراجع عن الحسد والبغض والكراهية والنميمة، لنتراجع عن التفرقة، عن البُعد.
لنعُد إلى رحب الإيجابية والتسامح والأمل والسلام والاستقرار، إلى أحلام واقعية ورؤى محققة على أرض الواقع بكل ما تحمله نفوسنا من استقرار وسلام.
نعم، ليس كل تراجع تراجعًا، بل يعد إقدامًا للأرقى والأجمل والأفضل والأحسن.
أعظم ما قيل «كل شيء يصبح جميلاً عندما نريد أن نراه جميلاً. نحن أسياد أفكارنا»!!
فليس كل تراجع تراجعًا في ذاته، بل قد يكون بعد هذا التراجع وثبة نحو التميز، ونحو استقرار النفس.
تأمل: بعض الأطفال ببراءتهم عندما يرون الخطر أو الخطأ حتمًا يتراجعون خطوات للخلف خوفًا من الخطر أو اقتراف الخطأ. هذه الفطرة التي نريدها، التراجع للخلف؛ وذلك استعدادًا للعمل الجيد والأفضل.
همسة: أدعوكم للتراجع عن التقصير في حق من أُمرنا بالمسارعة لنيل ثوابه، وأُمرنا بالفرار ليس منه، بل الفرار إليه - سبحانه وتعالى - هي أيام قلائل، نعيشها الآن، فلنستغلها في التراجع عن كل بغيض وإثم. وبعدها يتلوها وثبة نحو كل خير، والأهم أن نستمر عليها. كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
ولأني مؤمن بأن ليس كل تراجع تراجعًا فقد يكون الانسحاب للخلف أحيانًا هو النصر بعينه عند التأكد أن الساحة ليست ساحتك، والمعركة ليست معركتك.. فالخروج منها والتراجع أولى؛ لذا فليس كل تراجع تراجعًا. وكما يقال: مع الغروب يتجدد الأمل. وما غربت إلا لتشرق.
أخيرًا..
لا تتردد، وانطلق؛ فرُبّ خبيئة بينك وبين الله تكون سببًا لنيل مغفرته.
لا يمكن أن نتوقع أعمالاً من غير أخطاء، ولا علاقات اجتماعية من غير أخطاء، ولا قرارات صائبة دائمًا، لكن في كل مرة نرتكب فيها خطأ أو ذنبًا نحن أمام فرصة للتراجع، إنها نعمة إصلاح الخطأ والتراجع عنه.