مها محمد الشريف
لا شك أن فهم الوضع الإشكالي للوجود البشري في توتره بين الخضوع للضرورة والتباعد عنها يظل قدرات مستهدفة، ويأتي ذلك في خضم تحليل مفاهيم الأحداث والتاريخ، قد لا يقنعنا مسمى ملف يحمل أحداثاً تاريخية خاصة، بل هي أحداث تاريخية عامة ومعها تبعات الماضي، لكن الإحاطة تستدعي بعض التركيز، من حيث المعرفة الموضوعية التي تقرب الصورة وتشرح الفكرة حتى وإن كانت متفردة وجزئية احتمالية، تتطلب منهجية خاصة، لأنها غيرت العالم، ويمكن أن تكون علاقة اعتباطية غير منطقية لإخراج الرمز من دلالته الخفية إلى دلالته الظاهرة التي تستدعيها التجربة.
وهذا التصور هو الذي انتقده «ماركس» حيث بيّن مثاليته وطابعه التجريدي، الذي جعل من الطبقة الاجتماعية فاعلاً تاريخياً يصنع التاريخ، وليست الوثائق أو الملفات حتى وإن غاب عنهم شيء ما، وبالتالي فإن التفكير في موضوع أضحى حديث الناس له أهميته ويحمل مسؤوليته العمومية، بعد انتشار جائحة كورونا فالتاريخ يضعنا أمام تساؤلات عديدة، لماذا تبقى الوثائق التاريخية نزيلة دائمة في زنزانة مظلمة؟، ولا تتعلم الدول المتقدمة علميًا وتقنيًا من الماضي دروسًا تفيد الناس حول الأوبئة التي قتلت الملايين، فجميع العلوم تسير نحو غاية واحدة وهدف واحد إذا ركزنا سلفاً على إجابة دون أخرى لن ترتبط علاقة التاريخ بالحاضر دون وسيط.
الوسيط رغم ما يلحقه من تغير يظل همزة وصل بين الأزمنة والناس، أما إذا أردنا أن يصبح التاريخ علماً وسياسة، ونترك بقية الملفات التي تتطلب تغييراً وجهداً مضنياً كي يتم تطويرها، فمن الأولويات التي لا بد من الأخذ بها، توجيه كل الأفكار والأعمال في اتجاه غاية تساعد على حفظ الصحة من فيروس شرس قتل الملايين في مدة قصيرة، فالصفحات الأولى التي تحمل بين طياتها، التناقض الذي حرك التاريخ عكس الاتجاه المتوقع، لم يستطع مواجهة الوباء الذي فتك بالبشر وآلة الحرب التي قتلت القسم الآخر فأصبح عهداً جديداً مختلفاً، وسياسة أيضاً مختلفة غيرت نمط الحياة بشكل عام وعكست الأحداث تاريخ الناس.
وفي ذات السياق نجد أن الصفحات المتبقية من هذا الملف تتقوقع حول منطق التاريخ حسب مفهومه القديم الذي اعتمد على الأحداث السياسية والاقتصادية نتيجة كورونا «كوفيد - 19»، ولكن بشروط الحاضر التي تحتم تغيير البنود الواردة فيه وتنشيط تلك السجلات بذكر المستجدات التي غيرت وجه التاريخ ولونت صفحاته بألوان صاخبة وإنتاج لقاحات وضجيج كبير حولها.
فمن الثابت أن هيئة العقل تتعامل مع العقود الزمنية الحديثة بمرونة ومشروعية أكبر لما لها من تقارب وقتي وواقع علمي وتقني، مهما كان حجم الخسائر التي فاقت العقل والتصور، فالصورة التاريخية اليوم تختلف عن سابقتها حيث يجب استثمار رؤية الإنسان الجديدة لها، فالعالم اليوم في تسارع مستمر أفقده السيطرة على تحرر الجميع من دهشة التاريخ الجديد بكل ما حمله من متغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية.