د. محمد بن يحيى الفال
بادئ ذي بدء فمن نافلة القول التأكيد بأن الدولة تولي التوظيف وكل ما يتعلق به جُل اهتمامها وتعمل لتحقيق ذلك في كل خططها التنموية وتجعله على رأس قائمة أولوياتها، ونذكر بهذا الخصوص ما جاء في الخطاب الملكي لأعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، والذي أكد فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على أن الدولة سعت الى تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل، مضيفاً رعاه الله في كلمته للمجلس «نستعد حالياً لمرحلة دفع عجلة الإنجاز والتي تتسم بتمكين المواطن وإشراك القطاع الخاص». ونرى وضوح أهمية ملف التوظيف للقيادة بالبرقية التي رفعها لخادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي تلت الخطاب الملكي لمجلس الشورى والتي أكد فيها سموه بأن الدولة تضع ملف البطالة كأحد أولوياتها.
وجاء في برقية سموه ما نصه: «زيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة فقد بدأ العمل وفق رؤية 2030 على إصلاح سوق العمل وتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات».
الإحصاءات الصادرة مؤخراً عن الهيئة العامة للإحصاء تشير بأن البطالة في المملكة قد انخفضت في هذا العام 2020 لتصل بنسبة عامة بلغت 11.8 % وبفارق واضح بين الجنسين حيث بلغت بين الرجال نسبة 5.6 % وبين النساء ما نسبته 28.2 % والأمر الذي قد لاحظه الجميع بأن الدولة في الآونة الأخيرة سعت وبخطط طموحة وبخطوات متسارعة جداً في تقليص فجوة التوظيف بين الرجال والنساء انطلاقا من استراتيجية تمكين المرأة وفتح كافة المجالات لها لتكون شريكا حقيقيا لأخيها المواطن في رفعة ونمو وطنها، فلا يمكن بأن تكون هناك تنمية حقيقية لأي بلد ما بدون فتح فرص متساوية لكافة مواطنيه نحو تحقيق هذه التنمية.
ملف تمكين المرأة الذي يقوده وبكل كفاءة صاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الدفاع بدأت تتضح كافة معالمه التي وضعت المرأة ولأول مرة في تاريخ المملكة في المكان الذي تستحقه كشريك ضروري وفاعل حيث لا تنمية حقيقية بدونها. بعد هذا التمكين للمرأة والذي تم بامتياز وبسرعة فائقة فقادم الأيام وكما جاء في الخطاب الملكي لمجلس الشورى وبرقية صاحب السمو ولي العهد التي تلت الخطاب ستتركز جهود الدولة في تمكين المواطن وتحديداً فيما يخص ملف الوظائف.
توفير الوظائف والحد من نسب البطالة هو من ركائز عمل كافة الحكومات في مختلف دول العالم وليس هناك دولة في عالمنا المعاصر إلا ولها معاناة بشكل أو آخر مع هذه القضية التي تعتبر نواة عمل العملية الاقتصادية في مُجملها وغايتها. في الحد من البطالة سعت الدولة وبكل السبل نحو تقليصها ايمانا من القيادة بأهمية السعي الدؤوب لتأمين الدخل المناسب الشريف لكافة مواطنيها والذين وظفت هي بدورها القسم الأكبر منهم ووفرت كافة الإمكانيات التي لديها للقطاع الخاص لتوظيف المواطنين الذين لم يحصلوا على وظيفة حكومية وذلك من خلال برنامج سعودة طموح لإشراك القطاع الخاص في تنمية البلاد.
النتائج العملية للسعودة الواحدة تلو الأخرى أكدت بأن دور القطاع الخاص في دفع عجلة الاقتصاد ليست بالسرعة أو بالطموحات التي ترغب الدولة في الوصول إليها وذلك انطلاقا من العديد من الأسباب التي يطول شرحها وليس بالإمكان هنا التطرق لها بالتفصيل، بيد أن العامل الأكبر هو حقيقة أن انتقال الاقتصاد من اعتماد شبه كلي على إنفاق حكومي إلى إنفاق خاص يتطلب وقتاً لتحقيق ذلك ويضاف لهذا العامل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي الذي خلفته جائحة كورونا.
حقيقة أخرى مهمة عطلت لحد كبير برامج السعودة هي انتشار ثقافة المكتب «Bureau)s Culture» بين قطاع واسع من المواطنين حيث يفضل الكثيرون منهم الحصول على وظيفة مكتبية آمنة تضمن لهم في نهاية خدمتهم تقاعدا معقولا، وهو الأمر الذي كانت نتيجته السلبية مُلاحظة في ترهل الإدارة وتفشي ظاهرة البطالة المقنعة «Disguised Unemployment» التي افرزت شريحة كبيرة من الموظفين الذين يحصلون على رواتب وأجور دون أي جهد في المقابل.
لو دققنا النظر في العناصر القادرة على تشكيل برنامج سعودة حقيقي لوجدنا بأنها كثيرة ومترسخة وتحتاج فقط إلى بوصلة توجيه قادرة على جعل خطط السعودة ممكنة التنفيذ على أرض الواقع وبتنمية مُستدامة بشرط أن يكون اعتمادها في التنفيذ على القوة العاملة المكونة من المواطنين، الجذور الرئيسية «Grassroots» لأي اقتصاد ناجح قادر على المنافسة.
هذه الجذور القادرة على إطلاق ليس فقط عملية سعودة ناجحة بل بتنمية وطنية بقدرة تنافسية ونرى مصدر هذه القوة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والتي تأسست بشكل رسمي قبل اثنين وأربعين عاماً خلت سبقتها كذلك أعوام مديدة من عمل المعاهد المهنية. المؤسسة يتبعها أكثر من 150 كلية تقنية ومعهداً ومركزاً وتدرس أكثر من 90 تخصصاً ومئات البرامج ويلتحق بها سنوياً الآلاف من الطلبة والطالبات وتخرج منها الآلاف بشهادات البكالوريوس وبدبلومات تخصصية، ولكن عند البحث عن هؤلاء الخرجين في سوق العمل بالكاد نرى لهم وجود فمازالت العمالة الأجنبية هي المسيطرة على تخصصات دفعت فيها الدولة المليارات من الريالات والكثير من الجهد والخطط لتمكين مواطنيها من الانخراط بالعمل فيها، ولكن النتائج أقل ما يقال عنها بأنها متواضعة أو شبه معدومة.
وقف هذا الهدر أضحى مطلباً وليس خياراً ولعل من السيناريوهات الممكنة التنفيذ لتحقيق ذلك هو إنشاء وزارة للإنشاءات والأشغال تربط بها كافة تخصصات مؤسسة التدريب المهني وتكون الوزارة المستحدثة مسئولة عن تنفيذ ثلاثة محاور رئيسة أولهما إطلاق مشروع وطني مهمته جعل كافة المباني التي تشغلها إدارات حكومية تابعة للدولة وهو الأمر الذي سيوفر مليارات الريالات السنوية من الميزانية العامة للدولة من بنود الإيجارات، المحور الثاني مهمته توظيف خريجي المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني في كافة أعمال بناء وصيانة المباني الحكومية المقامة والمراد تنفيذها والذين ومع انخراطهم في أعمال هذا البرنامج الوطني سيشكلون في نهاية المطاف نواة القوة العاملة للاقتصاد الوطني، وثالث المحاور هو أن برنامج إنشاء المباني الحكومية الضخم هو فرصة سانحة لتدفق الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في أعمال البناء والإنشاء ولعل هناك دول جاهزة للقيام بهذه المهمة وتنفيذها وعلى رأسها الصين التي تربطها مع المملكة علاقات ممتازة تتعزز على مدار الأيام.
ولعل من المهام الأخرى التي يمكن أن تقع تحت مسئوليات وزارة الإنشاءات والأشغال هو إصدار شهادات تنفيذ كافة المشاريع الحكومية والتدقيق في التزام المقاولين المنفذين لها بالشروط والمواصفات وكذلك تطبيق شروط الكود السعودي للبناء في كافة المباني الخاص منها والعام.