د. صالح بن سليمان العامر
يحتل العمل التطوعي مكانا مهما من أهداف رؤية المملكة الواعدة 2020 - 2030 حينما جعلت من أهدافها وصول عدد المتطوعين إلى الزيادة على المليون متطوع، بينما شجعت حكومتنا الرشيدة - وفقها الله - على إنشاء الجمعيات التطوعية والأهلية ممثلة بوزارة الموارد البشرية والشؤون الاجتماعية؛ لتساهم في الإنتاج المحلي بمقدار 5 في المئة، كما تعتمد الرؤية على تضافر الجهود بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إضافة إلى القطاع غير الربحي، ومن خلال متابعتي وتأملي لواقع العمل التطوعي وجدت أن القطاع الخاص أكثر نجاحا وتفوقا من القطاع العام في الاستفادة من الجمعيات التطوعية الأهلية، خاصة الجمعيات التي تعنى بتطوير العمل التطوعي كالجمعية الأهلية لتطوير العمل التطوعي في منطقة القصيم، وإن كنا نلحظ اهتماماً كبيراً من الوزارات والقطاعات الحكومية في مجال الخدمات المجتمعية والعمل التطوعي في شتى المجالات التطوعية كلٌّ بحسبه والخدمات التي تقدمها، وذلك إشراكا للمواطن في تعزيز التنمية في بلدنا الغالي، وإن كنت أرى أن العملية التطوعية الوطنية تتطلب من الجهاز الحكومي أن يقوم بحملات تثقيفية توعوية في بيان وتوضيح العمل التطوعي والمجالات التطوعية للمواطنين والمقيمين، كذلك إقامة دورات وورش عمل لجميع المستويات الإدارية في منظمات القطاع العام خاصة المستوى الأول والثاني، والتأكيد على شرح وتوضيح مواصفات الجودة السعودية في مجال إدارة العمل التطوعي والشراكة الاجتماعية.
إن العمل التطوعي بالمنظار التنموي يعد رافدا من روافد التنمية والنهوض بالمجتمع بما يتضمنه من مبادرات وتفاعل اجتماعي فاعل على المستويين الفردي والاجتماعي وكذلك المؤسسي، كما أن هناك أبعادا مشتركة بين العمل التطوعي والتنمية مثل الاهتمام بالبيئة وحماية المستهلك وحقوق الإنسان، وتقديم العون والمساعدة في حالات الكوارث والحروب والمحن والتكافل الاجتماعي والعناية بالأسرة والأمومة والأطفال وسد الثغرات الخدمية التي تتعذر على القطاعات المسؤولة، لكل ذلك وغيره كثير أجد من المهم الحديث عن ثقافة العمل التطوعي لرفع الوعي بين المواطنين المشاركين والمقدمين للخدمة وذلك بأمور:
أولاً : يتشكل العمل التطوعي بتعريفه وماهيته التي تعني الجهد المبذول بطريقة اختيارية وبدون قسر مرضاة لله تعالى ومصلحة للوطن بإيثار الغير على الذات دون انتظار عائد مادي إلى شكلين مهمين :
أحدهما العمل التطوعي وهو سلوك فردي أو بمشاركة مجموعة لا يرجون مردودا ماديا، ويكون مؤسسا على قناعة شرعية أو أخلاقية أو اجتماعية لكنه محدود الأهداف وغير مستقر.
أما الشكل الثاني فهو العمل التطوعي المؤسسي تقوم به مؤسسة أو جمعية متخصصة بالمجال التطوعي وهو سلوك متطور وأكثر استقراراً وتحقيقا للأهداف، كما يعتمد على قناعة وتأييد المجتمع والتخصص والتخطيط والتنظيم واستقطاب الشخصيات الفاعلة والمؤهلة.
ثانياً : يمكن تلخيص معالم العمل التطوعي بأنه جهد وعمل طوعي اختياري وغير مأجور وتنظيم لا يستهدف الربح، إنما يهدف لتحقيق هدف معين لتحسين الحياة، كما يهدف لسد ثغرة في مجال الخدمات الاجتماعية وهو منظم ومحكوم بأطر إدارية ومؤسسية (مجلس إدارة وجمعية عمومية ومجلس أمناء)، مع الأخذ بالاعتبار أن التنظيم ليس مقصودا لذاته وإنما لتحقيق أهدافه الخدمية والمجتمعية، وهو تنظيم يحكمه تشريعات ويعتمد على عناصر الحوكمة كالشفافية والمساءلة القانونية والأخلاقية، كذلك من المهم معرفته أن العمل التطوعي يقوم على دعائم مهمة وهي أنه اختياري وموجه للمجتمع وبدون عائد مالي، إضافة إلى حاجته لما يسمى عملية الاحتساب الاجتماعي.
ثالثاً : للعمل التطوعي أهداف مختلفة سواء على مستوى الفرد والمجتمع كخدمة الناس للحصول على ثنائهم والاستفادة منهم وقت الحاجة والعمل واحتساب الأجر في خدمة الناس، إضافة إلى الفزعة والنخوة والقيام بأعمال يحبها الله من دون أن تكون واجبة علينا وبدون مقابل، ومن أهدافه إكمال العمل الحكومي ودعمه وتوفير خدمات قد يصعب على الإدارات الحكومية تنفيذها وهو ظاهرة ومعيار لتقدم الشعوب وله دور في زيادة اللحمة الوطنية.
رابعاً : يعبر بعض الكتاب والمهتمين بالعمل التطوعي عن المنافع الذاتية والمتعدية وبشيء من التفصيل نقول تتضمن المنافع الذاتية بان العمل التطوعي المنتظم يزيد في متوسط العمر المتوقع للفرد، وأن الذين لا يؤدون عملا تطوعياً أكثر عرضة للوفاة بمقدار مرتين ونصف مقارنة بالعاملين حسب دراسة علمية، كذلك منها الصعود للقمة والعلاقة الطردية بين العطاء والأخذ (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس)، وبناء علاقات جيدة مع المؤسسات والأفراد والشعور بالإيجابية بعد تقديم الرسالة السامية وخدمة الناس واكتساب مهارات جديدة ومتعددة، واستثمار أمثل للشباب والفراغ والخبرة، أخيرا تحويل المعارف والعلوم الشرعية والسلوكية لبرامج تطبيقية، أما المنافع المتعدية فيمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول هي منافع المؤسسات غير الربحية والتي تشمل : التعاون بين المؤسسات غير الربحية ومؤسسات المجتمع المحلي كما المتطوعون مصدر للتبرعات نظراً لعلاقاتهم الموثوقة، ومنها التوافر على مهارات فنية دقيقة وخبرات متخصصة قد لا تمكن المؤسسات من استقطابها خاصة في المستويات القيادية العليا، إضافة إلى تخفيض التكلفة التشغيلية للأجور في المؤسسات غير الربحية.
القسم الثاني: هو منافع التطوع الوطني التي تتضمن تعزيز المشاركة التنموية بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بمشاركة الشباب، تعزيز روح المواطنة كافة في الأزمات والكوارث، تحسين الروح العاطفية في خلق فرص ذهبية للعاطلين وغير القادرين على العمل والمساهمة في حجم التوظيف وقلة فرص العمل.
ومن آخر ما اهتم به عالم الجودة الجديد وتوصل إليه في مجال التطبيق هو التأكيد على العميل بحسبانه العمود الفقري في تحقيق الربح والعائد المادي، ولذلك فإن جميع المواصفات القياسية العالمية في نسخها الجديدة يتم التركيز فيها على العميل الذي ركزت عليه غالب بنود المواصفات وفي العملية التطوعية فيعتبر العميل هو المتطوع الذي يجب التركيز عليه والاهتمام به وإن من أولى الاهتمامات لدى المتطوع الحصول على المنفعة والأثر الإيجابي بعد القيام بالعمل التطوعي والذي يعتبر المحفز الرئيسي لمشاركته التطوعية واستمرارها.
- يتحدث المهتمون بمجال العمل التطوعي عن آثاره الإيجابية التي تنعكس على المتطوع ويمكن إجمالها بما يلي:
أولاً: الآثار الإيجابية المهارية: وهي تشمل تطوير المهارات الشخصية وتنمية قدرات التواصل مع الآخرين إضافة إلى تدريب الآخرين وأخيرا استغلال وقت الفراغ بالمفيد.
ثانيا: الآثار الاجتماعية: كتقوية أواصر العلاقات لدى الفرد وتقدير أهمية الجماعة للفرد وأخيراً التعاون في حل مشكلات المجتمع واستشعار أهمية الترابط بين المجتمع.
ثالثا: الآثار النفسية: الراحة والاستقرار النفسي والإحساس بالذات والظهور والوجاهة وانشراح الصدر أثناء وبعد العمل معالجة الأمراض النفسية والقلبية مثل الأنانية والعدوانية والكبر والفردية.
رابعاً: الآثار الإيمانية والأخلاقية: كالأجر والثواب من الله تعالى وتحقيق الخيرية للفرد والمجتمع وتعدد مجالات الخير.
خامساً: الآثار الوطنية: مثل الخدمة الوطنية والإنسانية وزيادة وتقوية الانتماء الوطني وما يترتب على ذلك من آثار تطوير التنمية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
- إن العملية التطوعية ليست صعبة إنما هي في متناول الجميع يدرك ذلك بمعرفة أن المتطوع يصنف إلى عدة أنواع، فمن المتطوعين من يتطوع بماله كالصدقات والتبرعات والمبادرات الاجتماعية التي يقوم بها الشخص أو الشركة، ومن المتطوعين من ليس لديه مال فيتطوع ببدنه كالتوزيع والتوصيل والمشاركة في التشجير والتنظيف وإزالة التشوه البصرى أوحتى المساهمة بالمهارة التي يجيدها كالتطبيب والتخطيط أوحتى التسويق الإعلامي للخدمات المقدمة إلى أنواع أخرى من المتطوعين الذين يساهمون بجاههم وشفاعتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، كذلك يمكن التطوع بالفكر والاستشارة وإعطاء الرأي والمشورة والنصح والإرشاد كما يمكن للإنسان أن يتطوع بوقته فيعطي يوما أو أسبوعا أوحتى ساعة للقيام بالمشاركة التطوعية والخدمات المقدمة فهكذا يمكن للجميع المشاركة خاصة ونحن في العالم التقني الرقمي وعصر المعرفة بما يمكن أن أسميه بالتطوع عن بعد عبر المنصات والشاشات الإلكترونية في التعليم والتدريب والإرشاد ونحوها.
-المتطوع لابد أن يكون ذا مهارة فيما سوف يتطوع به أو يهيئ نفسه ويدرب نفسه لكي يكون مؤهلا بما سوف يساهم به في عمليات التطوع ويمكن إجمال السمات والخصائص المهارات بما يلي:
أن يكون مؤهلاً ومتوفراً موثوقاً به ملتزماً ومتعاوناً ومرتباً مبادراً معبراً قادراً على القيادة والعمل مع فرق العمل يجيد الاتصال وحركات الجسد والحوار مع الآخرين والقدرة على الإقناع واتخاذ القرارات ويفضل أن يكون لديه شهادات وسيرة ذاتية كما انه أهم الصفات على شيء من التفصيل ما يلي:
1- الكفاءة الاجتماعية التي ترتبط بالمهارات والتقبل الاجتماعي فهي تزود الإنسان بالقدرة على بناء وإيجاد علاقات قوية لأن العلاقات الإنسانية الإيجابية عنصر حاسم وأساسي في كل مناحي حياتنا الشخصية والمهنية، ولذلك تشير بعض الدراسات إلى أن حوالي 85% من النجاح في مجال الأعمال يعزى إلى مهارات التعامل وتكوين العلاقات بينما مقدار15% فقط إلى المعرفة الفنية العملية وتعرف العلاقات الاجتماعية بأنها الروابط التي تنشأ بين الناس نتيجة لتفاعلهم أو عملهم سوياً.
2- هناك عدة مبادئ أساسية للعلاقات الإنسانية أولها أن أعظم رغبة لدى أي إنسان هي أن يلقى تقديراً أو ثناء كما أن كل إنسان يرغب قي الشعور بأنه مهم وكل منا يحب أن يكون له شخصية أوكيان وكل العلاقات الإنسانية ينبغي أن تكون نافعة ومشبعة للأطراف الداخلة فيها وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك لأن كل الناس يرغبون أن تتم معاملتهم باحترام وتقدير وتوقير، ولذلك يتطلع الناس لأن يثني عليهم الآخرون عندما يقومون بعمل جيد وعامل جميع الناس بالاحترام والتقدير وأشعرهم بأهميتهم وابحث عن الجانب الجيد الإيجابي في الناس وفي المواقف ركز على العلاقة لا على شخصية الفرد والقاعدة في ذلك أن يقال: إن السلوك الإنساني ينطفئ إذا لم يعزز بأي مبادرة إيجابية.
3- تلميحات أخرى لتحسين العلاقات الاجتماعية وهي أن تكون حسن الإصغاء وألا تقاطع وانصت باهتمام وتركيز يهدف لفهم ما يقال وعند الضرورة ألفت الأنظار للآخرين إلى أخطائهم بشكل غير مباشر وتحكم في انفعالاتك بشكل بناء وأبطئ ردة الفعل واعترف بأخطائك ولا تتمسك بموقفك الغاضب واعط تقييما أمينا واعرض عليهم المهارات بالأفكار والتجارب والخبرات الملائمة وقاوم رغبتك بإشعار الآخرين بأهميتك وكن متجاوباً من الناحية الوجدانية (الذكاء العاطفي) وساعد الآخرين على أن ينموا ويتطوروا في ذاتهم وتجنب الجدل الذي لا داعي له.
** **
SALEHAMER@YAHOO.COM