عبدالوهاب الفايز
وضع ملف الثروة المعدنية في قائمة أولويات الحكومة يجعلنا نطمئن على أهمية التوجهات الاستراتيجية الحكومية وضرورة دعمها والتفاعل معها، بالذات الملفات الوطنية الأساسية التي كانت خارج الاهتمامات والمصالح، مما أدى إلى الخسارة الوطنية المستمرة، وقطاع التعدين تركناه بدون إستراتيجية وطنية لحكومته وتطويره حتى تراكمت مشاكله، بالذات سيطرة التستر عليه، وضعف إيراداته المالية، وضعف العقوبات الرادعة عن العبث بمواردنا الطبيعية.
الأسبوع الماضي تحدثنا عن أهمية الخطوة التي تمت لحوكمة قطاع الكهرباء، وهي خطوة تعكس عمق الإصلاح والتطوير الذي تتبناه الحكومة لكي تتحقق مستهدفات (رؤية المملكة 2030)، وهذا النجاح في الإصلاح ننتظره في قطاع التعدين الذي يعد الركيزة الثالثة للصناعة بعد النفط والبتروكيماويات.
في ملامح التنظيم والحوكمة الشاملة لهذا القطاع، الذي تحدث عنه نائب وزير الصناعة للثروة المعدنية المهندس خالد المديفر في لقائه مع المستثمرين في مجلس الغرف السعودية الأسبوع الماضي، جانب حيوي ظل مصدر معاناة للناس وللاقتصاد وللبيئة وهو ضعف مساهمة التعدين في تنمية المجتمعات المحلية القريبة من المحاجر والمناجم، بل ظلت مشاريع التعدين مصدرا للتوتر مع المجتمعات المحلية لغياب المعالجات الشاملة التي تستوعب المخاطر البيئية والصحية.
المهندس المديفر تحدث عن مستهدفات تلتقي وتكمل (مشروع التنمية الريفية) الحيوي الذي تعمل عليه وزارة البيئة والمياه والزراعة. فما هو مطروح في نظام التعدين ربما يكون مصدرًا مهماً لتمويل بعض مشاريع ومستهدفات برنامج التنمية الريفية، وهنا يتحقق الأثر المتنوع والمتعدي لمشاريع التعدين. وقد رأينا التكامل في نموذج عمل (شركة معادن)، فالشركة بنت مشاريعها الأساسية على ضرورة إحداث الأثر الاجتماعي والاقتصادي لمشاريعها، فسكك الحديد بنيت لنقل المواد الخام والآن تخدم نقل الركاب، والمدن والتجمعات السكنية التي بنتها معادن تقدم خدمات التدريب والتأهيل والعمل والتعليم وكذلك فرص الأعمال والتجارة للناس القريبين منها.
النظام الجديد ستتضمن لوائحه ومتطلباته ضرورة (تحقيق الاستدامة للتنمية)، وهذه تشمل تنمية المجتمعات القريبة من المواقع التعدينية، والحفاظ على البيئة، وتطوير الكفاءات الوطنية عبر توظيف المواطنين السعوديين في مشاريع التعدين، وإنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة المنظمة، وهذه من أكبر المكاسب التي تساعد على (محاربة التستر) وتعظم منافع التعدين، والأهم مراجعة رسوم الغرامات المتواضعة!
(مشروع التنمية الريفية) يتضمن ثمانية برامج أساسية التزمت الحكومة بتمويلها بمبلغ 13 مليار ريال حتى 2025، والأمم المتحدة وضعته في مقدمة المشاريع المتكاملة التي تلتزم بها حكومة في فترة محدودة، ويسعى لإحداث (الأثر الاجتماعي الاقتصادي) في حياة الناس حتى يستقروا في بيئاتهم المحلية عبر توفير السبل التي تعينهم على إنتاج الثروة)، مع توفير مقومات الحياة الكريمة المستقرة حتى لا تضطرهم الظروف الصعبة لترك قراهم والانتقال إلى المدن.
الحد من هجرة السكان إلى المدن والحواضر الكبيرة هدف إستراتيجي للتنمية في المملكة عملت عليه الحكومة في السنوات العشر الماضية، وتحققت نسب استقرار سكاني نتيجة بناء الجامعات وتوسيع مشاريع البنية الأساسية في الصحة والتعليم والنقل. الآن تتوسع المشاريع النوعية الجديدة في الزراعة وفي التعدين، وهذه ستكون رافدًا مهمًا لاستقرار التنمية الريفية، واستقرار بلادنا.
الأمر الإيجابي الذي أشار له نائب الوزير هو هيكلة المقابل المالي، فالرسوم التي يتم تحصيلها في العشرين عامًا الماضية أدت إلى خسارة عوائد كبيرة للمالية العامة، وحتى المستهلك النهائي ظل تحت رحمة تبدل الأسعار وعدم عدالتها. كانت الرسوم على طن البحص (أقل من ريال) ويباع على المستهلك النهائي بـ(20) ريالاً، خاصة وأن المملكة من أقل (دول العالم في رسوم المقابل المالي المتعلقة برخص التعدين)، وما يبدو من حديثه أن النظام الجديد لن يتضمن تعديلات مكلفة للمستثمر وللمستهلك، إذ يسعى إلى الواقعية والعدالة في التسعير وضرورة تكيفها مع الأوضاع في القطاع وفي الاقتصاد. هذا مهم لتنمية قطاع التعدين واستدامته، وأيضاً حتى تحافظ المملكة على ميزتها التنافسية، وكذلك حتى يكون جاذباً للمستثمرين ذوي الكفاءة الفنية والملاءة المالية، الجادين والمحترفين.
عندما ترى هذه المشاريع الحيوية التي تستهدف كل ما ينفع الناس في حياتها، تفرح كمواطن بما تنجزه بلادك، فالحكومة مشغولة بالبناء والتعمير، وكبار المسؤولين والوزراء وجميع القيادات مشغولون على مدار الساعة، وكلهم يعملون وعيونهم على عقارب الساعة، فالمخرجات التي ينتظرها الناس لا تحتمل التأجيل والتساهل، فالبلاد منطلقة لتكريس عوامل جديدة لتعميق شرعية وجودها وضرورة استمرارها.