رجاء العتيبي
كان بإمكان موليير أن يكون محامياً تبعاً لدراسته، أو مدير مخزن للسجاد عند والده، كان بإمكانه أن يكون في إحدى الوظيفتين، فالأولى توفر له موقعاً وظيفياً ممتازاً، والأخرى تقربه من ملك فرنسا لويس الرابع عشر كخادم لهم كما هو حال والده، ولكن موليير رفض كل ذلك، واتجه للمسرح رغم كل المؤشرات التي تقول إنه مقبل على مصاعب ومتاعب ومِحن، ذلك أن عصر النهضة في القرن السابع عشر في فرنسا، وإن كان فيه فسحة للفن، إلا أنها محدودة في ظل سيطرة الكنسية.
انطلق موليير نحو هدفه، فكان عليه أن يحجز له مقعداً في ظل الأعمال المسرحية التي تضج بها قاعات المسرح في منتصف القرن السابع عشر في فرنسا، كانت العروض تتشابه، قواعد صارمة، وبروتوكولات محددة، ومآسٍ مكرورة، تتحدث عن التضحيات والبطولات والعواطف والطموحات. أما العروض الكوميدية فكانت تعتمد على الإضحاك والهزليات والسماجات، لاستدرار الضحك من أجل الضحك، فيما التمثيل يتم بحركات متكلفة ونكات فجة.
موليير فعل عكس ذلك بصورة تجلت فيها أهميته وموهبته، وذلك حين غير خارطة الأعمال المسرحية في عصر بأكمله وصنع جيلاً جديداً، وذلك عندما جعل خلف كل ضحكة (ألماً)، وورى كل ابتسامة مأساة، مزج بين الكوميديا والتراجيديا، بشكل انسيابي وبمرونة عالية، بحيث تظهر عذوبة نكاته وطلاوتها على السطح، لكن تقبع خلفها آلام الإنسان. وهذا أمر لم يعتده الناس في عصر النهضة في فرنسا.
ومع الصعوبات التي واجهته من رجال الدين عقب عرض مسرحيات: نساء متحذلقات، وطرطوف، ومدرسة الزوجات، إلا أنه بقي صامداً، تحت حماية ودعم الملك لويس الرابع عشر الذي قدم في قصره عروضه المسرحية ابتداء من العام 1658م.
توفي (جون بابتست بوكلان) الذي غير اسمه إلى (موليير) تخفياً من أبيه الذي يعارض دخوله الفن، توفي في 1673م، بعد عرض مسرحيته (مريض الوهم)، ودفن في مدافن المنتحرين من دون طقوس دينية متهمة إياه الكنيسة بالكفر.