اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن الإنسان يختار صديقه، ويستطيع استبداله، في حين أن الجار خارج عن إرادة الاختيار والاستبدال. والتجاور عادة ما يكون مدعاة للتحاسد ومجلبة للعداوة. والجار الفارسي من ألد أعداء الأمة العربية منذ فجر التاريخ حتى الآن، وعداوته ذات طابع أزلي، وسمة أبدية، تغذيها التيارات المذهبية والطائفية، وتحركها القومية الفارسية التي تحاول إحياء المجد الفارسي. كما أن التجاور عبر البحار يزيد من هذه العداوة بسبب تعقيدات الحدود البحرية، وأهمية البحار، وطبيعة الملاحة فيها.
وهناك من يعتقد أن التوترات الكامنة في العلاقات الإيرانية - العربية، والثقة المفقودة بين الطرفَيْن، تعود إلى الصراع الشيعي السُّني، وما يؤدي إليه ذلك من خلافات مذهبية، ولكن مَن يلقي نظرة فاحصة على التاريخ البعيد والقريب يستبين له أن الخلفية التاريخية والممارسات الحالية هي المحرك الحقيقي والدافع الأساسي لهذه التوترات والثقة المفقودة التي جعلت من الصعوبة بمكان أن يثق العرب في النظام الحاكم في إيران، وبالتحديد نظام الملالي الذي كشف عن وجهه القبيح، وجعل شغله الشاغل تصدير ثورته، وتأجيج الصراع الطائفي في المنطقة العربية، والتدخل في الشؤون الداخلية لدولها، بغية تحقيق أطماع صفوية مجوسية لا يوجد لها صلة بالإسلام والمسلمين.
وتأسيساً على ذلك فإن التاريخ والجغرافيا يلعبان دوراً بارزاً في إثارة التوترات وتأجيج الصراعات بالنسبة للنظام الإيراني الذي ينظر إلى التاريخ والجغرافيا من منظور قومي فارسي، يختلف عن النظرة العربية التي تنظر إلى ذلك من منظور تغلب عليه الثقافة والدين بعيداً عن القومية والنزعة العنصرية.
وطلب الثأر التاريخي بالنسبة للفرس وتأثير الجغرافيا والتجاور جعلا إيران في حالة صراع دائم مع جيرانها العرب إلى الحد الذي وصل بها إلى تصدير ثورتها، ومحاولة تشكيل خريطة سياسية جديدة للمنطقة، يكون لإيران من خلالها اليد العليا في المحيط المجاور لها مع امتداد نفوذها في الوطن العربي، مستخدمة وكلاءها وأذرعها في العراق ولبنان واليمن وسوريا وغيرها من الدول ذات الأقليات الشيعية.
ومهما حاولت إيران تغطية أهدافها القومية ومشروعها الفارسي بالعزف على أوتار المذهبية والطائفية فإن ذلك لا يعكس واقع الحال، ولم يعد مبرراً مقبولاً للتوترات القائمة والنزعات المجوسية الثأرية الظالمة التي تهدف إلى ما هو أبعد من الاختلافات المذهبية والخلافات الطائفية من خلال مشروعها القومي وأطماعها الاستراتيجية والجيوسياسية.
وفي سبيل تحقيق أهداف إيران الاستراتيجية، ونجاح مشروعها القومي الفارسي، لجأت إلى رعاية الإرهاب واحتضان الإرهابيين على أراضيها. ولم تكتفِ بهذه الرعاية وهذا الاحتضان، بل وصلت بها الوقاحة إلى التجاوز على سيادة الدول الأخرى، والتدخل في شؤونها الداخلية من خلال اتخاذ وكلاء وأذرع لها داخل هذه الدول، والتعامل معها بشكل مباشر دون أن تحسب حساباً لحرمة الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الوكلاء والأذرع، أو تراعي الأعراف المرعية والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، مستبيحة حصانة الحدود بين الدول، ومستحلة ما تحرمه على غيرها مع تنصيب نفسها مرجعاً دينياً وسياسياً للشيعة العرب، والتدخل في شؤون الدول التي ينتمون إليها، ومحاولة زعزعة استقرارها عن طريق السعي لتغيير خرائط هذه الدول، وتهديد النسيج الاجتماعي والوطني فيها.
والنظام الحاكم في إيران الذي تجاوز الحدود، وكسر القيود على حساب الأمة العربية الممزقة، لن يهنأ له بال حتى يكتمل تنفيذ مشروعه التدميري ضد الدول العربية المنقسمة على نفسها، متدثراً بدثار المذهبية ومناصرة الأقليات في الوقت الذي يعمل من أجل مشروعه القومي الذي يهدف عن طريقه إلى السيطرة على المنطقة، والظهور أمام القوى الكبرى بأن إيران القوة الوحيدة والمؤثرة في هذه المنطقة التي يجب التعامل معها مع الربط بين انصياع إيران لفرض قيود على برنامجها النووي مقابل إطلاق يدها، والاعتراف بنفوذها المطلق في الإقليم العربي المتهالك.
والتباهي باحتلال أربع عواصم عربية لم يكن من قبيل المصادفة أو مجرد عبارة منفعلة، بل أرادت السلطة الحاكمة في إيران تأكيد نفوذها، ولفت انتباه القوى الكبرى إلى نجاح مشروعها الذي يخدم أهداف هذه القوة نحو إعادة تقسيم المنطقة وفق نظرية الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة.
وبالطبع فإن موقف إيران المتشدد من الاتفاق النووي، وخشية الولايات المتحدة الأمريكية من أن تتجه إلى أحضان القوى الأخرى، بما في ذلك الحليفة منها، وتأكيد النظام الحاكم في إيران أنها ذات نفوذ وتأثير في المنطقة، كل ذلك آتى أكله وطرح ثماره بأنه دفع الإدارة الأمريكية السابقة في عهد أوباما إلى الانفتاح على إيران، والاتفاق معها على أجندة سرية على هامش الاتفاق النووي تمهيداً لتأسيس توازن جغرافي سياسي جديد، تستطيع بموجبه إيران المشاركة في الهيمنة على المنطقة، وتأدية دور الشرطي الذي يحمي مصالح أمريكا وقوى الاستعمار الغربي.
والواقع أن حرص إيران على امتلاك قدرات نووية ينطلق من أهدافها الاستراتيجية في المنطقة التي تهدف من ورائها إلى التحكم في جوارها العربي، وانتزاع اعتراف دولي بنفوذها، وتركها تتصرف كيفما تشاء، على النحو الذي يسمح لها برسم خريطة المنطقة وفقًا لإرادة نظام الملالي وحساباته السياسية والاستراتيجية مع اتخاذ المذهبية والطائفية غطاء لما يمارسه هذا النظام من ممارسات ظالمة ويقترفه من اقترافات آثمة.