رمضان جريدي العنزي
لقد أمرنا الله -عز وجل- بصلة الأرحام، نادى عليها وحثَّ ورغب، ورتب على ذلك الأجر والمثوبة، والفوز بجنته ورضاه، ونهى وحذر عن القطيعة، لأنها طريق للخسارة والبوار، واللعنة وسوء الدار والمآل، بل عد -صلى الله عليه وسلم- القطيعة مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين، إلا أن بعض الناس أضاعوا هذا الحق، مما جعل الحقد والبغضاء والشحناء تحل محل الألفة والمحبة والرحمة بين الأقرباء، بسبب ضعف الديانة وقلة التقوى، وأن تظاهر بعضهم بذلك، وتمسحوا بمسوح الديانة، ولباس التقوى، وتدثروا بهما قناعاً ورياءً وخدعة، أن قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين، قال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ، الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (26-27 سورة البقرة)، أن صلة الرحم من الأعمال الجليلة، التي رغب فيها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)، لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظاً وحقداً وحسداً على أقاربه وذوي رحمه، يقاطعهم ويعاديهم ويخاصمهم ويهجرهم ويسيء لهم في الفعل والكلام، بل يقاضيهم لأتفه الأسباب، أرداها وأحقرها، لغاية دنيئة تعيش في قعر نفسه، وسواد روح وقلب، وما علم هذا المسكين بأن قاطع الرحم لا يرفع له عمل، ولا يقبله الله، فعنْ أبي هُريْرة، أنّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «تُفْتح أبواب الْجنةِ يوْم الِاثْنيْنِ، ويوْم الْخمِيسِ، فيُغْفرُ لِكُلِّ عبْدٍ لا يُشْرِكُ بِالله شيْئًا، إِلا رجُلاً كانتْ بيْنهُ وبيْن أخِيهِ شحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هذيْنِ حتى يصْطلِحا، أنْظِرُوا هذيْنِ حتى يصْطلِحا، أنْظِرُوا هذيْنِ حتى يصْطلِحا»، أن الله -جل في علاه - أوجب هذه الصلة وحرم قطيعتها، فالقاطع يجمع الله له العقوبة في الدنيا والآخرة، وما ذلك إلا لخطر ما وقع فيه من ذنب وإثم، أن صلة الأرحام سبب من أسباب سعة الرزق، وبركة في الأعمار، فمن وصل رحمه أوصل الله إليه الخيرات، وبسط له البركات في نفسه ونسله وأهله وماله وفتح عليه، أن نبينا وقائدنا وقدوتنا عليه أفضل الصلاة والسلام، لقي من قومه ما لقي فقد آذوه حتى خرج من مكة التي هي أحب الديار إلى قلبه، ومع ذلك عندما دخلها فاتحاً منتصراً قام وخطب فيهم ثم عفا عنهم وصفح،إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام الذي لقي من المصاعب والأذى من قومه التي وصلت حد الضرب والطرد والتهجير، ومع ذلك عفا عنهم وهو بكامل قوته وقدرته وهيبته، فأحرى بقطاع الرحم وممارسيه والداعين له والمنظرين له، أن يقتدوا بهذا النبي الكريم، وأن يلتزموا طريقة وأسلوبه ومنهجه، بعيداً عن الحقد والبغضاء وسواد القلب وعفن الروح واضطراب الأخلاق وسوء السلوك.