عبدالرحمن الحبيب
انتشار وباء كورونا حوَّل غرف النوم إلى مكاتب، ووضع الشباب في مواجهة كبار السن، ووسّع الفجوات بين الأغنياء والفقراء، والأحمر والأزرق، ومن يرتدون الكمامة وكارهوها. استيقظت بعض الشركات، مثل شركة التدريب المنزلي بلوتون، وبرامج مؤتمرات الفيديو زووم، وأمازون، ليجدوا أنفسهم مغمورين بوابل من سيل طلبات المستهلكين، بينما آخرون، مثل المطاعم، والسياحة، والفندقة، وصناعات الترفيه الحية، تزاحموا للهروب من الإبادة.
هذا ضمن ما جاء بكتاب صدر مؤخراً بعنوان Post Corona: From Crisis to Opportunity (ما بعد كورونا: من أزمة إلى فرصة)، لمؤلفه سكوت جالوي بروفيسور التسويق بجامعة نيويورك وهو سبق له عام 2017 أن أصدر كتاب «الأربعة» الذي توقع فيه أن أمازون وآبل وفيسبوك وجوجل في سباق فعَّال لإدارة نظام التشغيل في حياتنا.
يتناول الكتاب الجديد الكيفية التي ستتشكل بها بيئة الأعمال بعد انتهاء وباء كورونا.. فعندما تعود الحياة لطبيعتها المعتادة هل ستكون أفضل وأكثر إنسانية وازدهاراً؟ أم أن الناس سيفضلون فقط أن تتوقف الحياة عن التقلب؟ ما الذي يمكن عمله للأفضل؟ ما الإشكالات الحادة التي تواجهها الرأسمالية؟ الكتاب يحاول الإجابة على تلك الأسئلة «محفزاً الحوار من أجل أفضل الحلول» كما جاء بالمقدمة.
يطرح الكتاب فرضيتين رئيسيتين: الأولى هي أن أقوى تأثير للوباء هو تسريع الحاصل، مثل العمل والتعلم والطب عن بعد، وهيمنة شركات التكنولوجيا، وزوال الأعمال التجارية التي بدون نموذج قابل للتطبيق بالمستقبل.. إذ يرى المؤلف أن الوباء لم يكن عامل تغيير بقدر ما كان عاملاً مسرعاً للاتجاهات الجارية بالفعل وتسريع اتجاهات أعمق في الحكومة والمجتمع.
الأطروحة الثانية أنه في كل أزمة هناك فرص وآثار مدمرة، محدداً ملامح الفرص والأزمات التي تنتظرنا، عبر تحليل «تحذيري» لمن سيصمد للفوز ومن المعرض للخسارة في عالم ما بعد كورونا. نتيجة لهذا الاضطراب سيزدهر البعض، مثل الشركات الاحتكارية التكنولوجية القوية؛ بينما ستكافح المؤسسات الأخرى، مثل التعليم العالي، للحفاظ على قيمة أسعارها التي لم تعد منطقية عندما لم نعد نحضر مباشرة وجهاً لوجه.
يقدم جالوي قائمة ببعض أسماء المؤسسات الكبرى التي تعرضت للإفلاس، على نقيض شركات مثل شركة آبل التي «استغرقت 42 عامًا لتصل قيمتها إلى تريليون دولار، بينما في 20 أسبوعًا قفزت من تريليون دولار إلى تريليوني دولار (مارس إلى أغسطس 2020). في تلك الأسابيع نفسها، لم تصبح تسلا شركة السيارات الأكثر قيمة بالعالم فحسب، بل أصبحت أكثر قيمة من شركة تويوتا ودايملر وهوندا مجتمعة».
إذن، حسب الكتاب، لم يكن تحرك أمازون الكبير في مجال الصيدلة قبل أسبوعين مفاجأة على الإطلاق، فهو مجرد جزء من خطة أكبر لإعادة اقتناص صناعة بقيمة تريليون دولار: الرعاية الصحية والتأمين. كتب جالوي: «تعرف أمازون الكثير عن أفضل عملائها: ماذا يأكلون، وهل يشترون معدات التمرين أو ألعاب الفيديو، وهل لديهم أطفال، وهل هم في علاقة... بين مشتريات أمازون وهول فودز (سلسلة سوبر ماركت للأغذية العضوية)، وبطاقة أمازون، وجميع تجار «الدفع مع أمازون»، تمتلك الشركة بيانات فردية إلى حد كبير أكثر من أي خبير تأمين».
قد يبدو ذلك من قصص الخيال العلمي المرعبة التي تتطلب الحذر من المستقبل.. فبعض أقوى الشركات بالعالم أصبحت أكثر قوة؛ فهل هذا للأفضل أو للأسوأ لنا؟ وأين سيوجهنا ذلك بعد الانتهاء من وباء كورونا وتداعياته؟ أجرى موقع جيك واير (إخباري تقني) حواراَ مع مؤلف الكتاب متسائلاً: من الذي يربح السباق بين الأربعة الكبار (أمازون وآبل وفيسبوك وجوجل)، وهل أعطى الوباء أياً منهم ميزة أكثر مقارنة بالآخرين؟ «إذا كان هناك أحد تم اختراعه لمواجهة جائحة ما، فهو أمازون..» يقول جالوي، أولاً، انتقلت التجارة الإلكترونية في مارس من 18 في المائة من البيع بالتجزئة إلى 28 في المائة في ثمانية أسابيع، وأمازون تستحوذ على ما بين 30 و50 سنتًا منها بالدولار. هذا حرفياً يمثل عقداً من الزمن تم تسريعه في ثمانية أسابيع، فقد كانت التجارة الإلكترونية تنمو بنسبة 1 في المائة سنويًا منذ عام 2000. كما أن أمازون ستكون شركة الرعاية الصحية الأسرع نموًا بالعالم خلال العامين الماضيين، بسبب زيادة ثقة ورضا المستهلك..
لكن هل هذا شيء إيجابي أم يدعو للقلق لمنحهم هذا القدر الهائل من القوة والاحتكار، كيف ينبغي أن يشعر الناس حيال ذلك؟ يجيب جالوي بأنه على المدى القصير فهو شيء إيجابي.. يُفرح المستهلكين ويدعم الابتكار، لكنه يقول: «أود أن أجادل على المدى المتوسط والطويل، إنه أمر سيء للمستهلكين، لأن ما يحدث عادة عندما تمتلك شركة ما هذا الحجم من القوة الاحتكارية سنجد أن الكثير من الابتكارات سيتم سحقها.. ما تقوم به شركة خدمات أمازون ويب رائع، ما تقوم به أمازون فولفيمنت (مركز التنفيذ) رائع، ولكن يجب أن يكونا منفصلين، بحيث يجبرون على الابتكار بمفردهم، ويضطرون إلى المنافسة وليس التعاون».
يقدم جالوي كلاً من التحذير والأمل بنفس القدر. كما كتب، «كومنولثنا لم يحدث فقط، بل تم تشكيله. اخترنا هذا المسار، لا يوجد اتجاه دائم ولا يمكن جعله أسوأ أو تصحيحه».