عمرو أبوالعطا
في لحظة هطول المطر يترك الناس ما بأيديهم، وينظرون من النوافذ والأبواب، فقد غرست في النفوس محبة المطر وفرحت الأطفال به، وإدراك الكبار من أهميته وما يأتي به من خير وفرح، يتلهف الناس لسماع أخبار السيول والأمطار على مواقع التواصل الاجتماعي، يشاهدون البث الحي لتدفق السيول في الأودية والشعاب، فرحاً بالغيث وتنشرح الصدور لرؤيته، وترفع الأيدي إلى علام الغيوب شكراً ودعاءً، وتحتويهم تلك الرائحة الرائعة التي تغلف قلوبهم بالحياة «رائحة المطر»، فهي تلامس وتراً حساساً فينا، أو ذكريات جميلة.
الإيقاع المتتالي لانهمار الماء من الأعلى إلى أسفل، كأن المطر يعزف الموسيقي، هذه المعزوفة الكونية التي يفهمها جميع البشر، ترتقي بهم إلى الفطرة والحنين والحرية، فيتطهر الإنسان بمائه ويصبح خفيفاً مثل قطن الغيوم.
تحت المطر، تكثر قصائد الشعراء، فهو قبلة تعطيها السماء بكل سخاء وحنان للأرض والبشر، اخضرار الأوراق والأمل بربيع متجدد يجعل الحياة أكثر جمالاً وإشراقاً، فهو يعطي الأحاسيس المتدفقة بكل المشاعر التي يمتلكها الإنسان تعمل على زيادة الشفافية والرقة، فيستلهم الشعراء لكتابة قصائد الحب والعطاء والجمال.
الشعراء الجاهليون كانوا ينظرون إلى المطر المنثور من السماء بإكبار وتقديس حيث رأوا فيه مادة الحياة التي خلق منها كل شيء كما رأوا فيه سراً خفياً قادراً على قهر الجدب وبعث الخصب والرزق تتلقاه الشفاه الظمأى والصحراء المجدبة بشغف، وقد تتبع الشعراء نزول المطر تتبعاً غريباً فراقبوه بدقة ووصفوا برقه اللامع، ورعده القاصف وسحبه الحافلة، ورسموا صوراً رائعة لمناظره وهو ينثال كاللؤلؤ من السماء، وصف امرؤ القيس المطر في معلقته الشهيرة التي مطلعها:
«قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ»
إن الله تعالى جعل في إنزال الغيث وإنبات الزرع آية من آياته، فيقول في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، ولو اجتمع البشر كلهم، وبكل ما أوتوا من قوة، وما فتح لهم من علوم ومعارف على فعل ذلك أو رده أو تحويله عن محمله فما استطاعوا، فالقادر عز وجل هو من يقدره ويصرفه كيف يشاء، يقول عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}.