عمرو أبوالعطا
يعتبر الوعي الحالة العقليّة التي يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتي تجري من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الّذي يعيش فيه، واحتكاكه به ممّا سيسهم في خلق حالة من الوعي لديه بكلّ الأمور التي تجري وتحدث من حوله، ممّا يجعله أكثر قدرة على إجراء المقاربات والمقارنات من منظوره هو، وبالتالي سيصبح أكثر قدرةً على اتّخاذ القرارات التي تخص المجالات والقضايا المختلفة التي تطرأ له. والوعي أيضاً هو المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة التي يحتوي عليها هذا العقل والتي تتعلّق بالمفاهيم المختلفة التي تتمحور حول القضايا الحياتيّة والمعيشيّة.
لا يمكن للعقل إنكار جدية المرحلة التي يمر بها العالم؛ بسبب جائحة فيروس كورونا، التي خرجت عن السيطرة حول العالم، لكن الوعي التام بخطورة الوضع يشكل ضغطاً نفسياً وعصبياً على الناس، فيفضل بعضهم الاستعاضة عن القلق الشديد والخوف؛ بالاستخفاف بالوضع بشكل ما، والأصل في الأمر تقدير تام لجدية الأوضاع.
عندما يدرك كل فرد في المجتمع أن مسؤولية مكافحة انتشار الوباء تنطلق من مسؤولية فردية لتكون بعدها مسؤولية جماعية من خلال الوعي بطرق الوقاية من الفيروس، فالفرد جزء من المجتمع الواحد المتماسك والمترابط مع الآخرين، فكل فرد عليه مسؤولية كبيرة لحماية نفسه وأسرته ومحيطه ووطنه ،من خلال الالتزام بالتدابير الاحترازية، عندها فقط نكون تقدمنا نحو الطريق الصحيح في وضع حد لانتشار هذا الوباء الفتاك، ويرتكز الوعي الاجتماعي على مدى الوعي الفردي للأشخاص، وتأتي أهمية الوعي الفردي في أنَّه يُكوّن أول خطوة لحركة المجتمع في طريق التقدم والحضارة والتنمية، فالفرد كائن اجتماعي يتكوّن وعيه عن طريق البيئة التي تحيط به، وبذلك ندرك أنَّ الوعي الفردي يدفعنا إلى الوعي المجتمعي لذلك ينبغي تحمل المسؤولية ونشر الأفكار الإيجابية قَدر الإمكان.
يبدأ الوعي لدى الفرد عندما يستطيع فك شفرة العقل الباطن، ففي ظل هذه الأحداث التي يعيشها العالم بأكمله وسط مخاوفه ومحاربة فيروس كورونا المستجد نجد أشخاص كثيرة جدا تشكو من أن كورونا يلاحقها في الأحلام. من الطبيعي جداً أن يلاحقك فيروس كورونا في الأحلام لأن هذا الحلم هو تخيل مرتبط بالعقل الباطن لك. فنحن نتابع يوميا أخبار الفيروس على شاشات التليفزيون وفي النشرات الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، فأخبار الفيروس حولنا في كل مكان، هذه الاحداث اليومية أيضا تفرض العديد من السيناريوهات في ذهنك فبالتالي العقل ليس به سوى كورونا. عند النوم ربما تشعر ان عينك فقط هي التي نامت واستيقظت وتشعر بأن عقلك لم ينم وتجد أنه يفكر فيما كنت تفكر فيه قبل النوم وهو التفكير في كورونا، وربما يصل إليك الفيروس ويزورك بنفسه في حلمك وتستيقظ بفزع وتظن انه كان حقيقياً ليس مجرد حلم أو كابوس. ولذلك النصيحة هي أن لا تتابع الأزمة بعمق شديد يؤثر على عقلك دائماً بالإضافة إلى عدم التركيز والتدقيق في العملية الحسابية وتزايد معدلات أرقام الإصابات والوفيات في العالم وعليك بمعدم مشاهدة نشرة إجبارية قبل النوم بل حاول أن تشاهد شيئاً إيجابياً.
وعلى مستوى الوعي والسلوك اختلفت طرق التعامل بين شعوب العالم مع الفيروس التاجي، ففي المجتمعات المتقدمة، وخاصة الأوروبية، حيث لوحظ الوعي والسلوك المنضبط والمنظم والصارم بالالتزام بالإرشادات والنصائح المقدمة من قبل المختصين في الصحة والأمراض، بينما لوحظ وجود ردة فعل غير واعية وسلوكيات خطيرة، اجتاحت بعض المجتمعات الأخري، أدت الي تفاقم الأزمة وانتشار الفيروس بشكل كبير.
الأخطر من الوباء ذاته هو الاستهتار به وبطرق العدوى منه، وعدم الوعي الحقيقي بكيفية الحد من انتشاره والامتناع عن تغيير العادات والسلوكيات اليومية التي بات ينفذ منها هذا الفيروس وينتشر عبرها، فالمجتمع الذي يعاني من بعض السلوكيات والعادات الخاطئة يواجه صعوبات في الحد من انتشار الفيروس، فيجب ان يتخلص أفراده منها حتى لا تؤثر على الصحة العامة وان يسعي أفراده في زيادة وعيهم لمواجهة الفيروس، فكما يقول الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز «إننا لا نفكر إلا ونحن في عنق الزجاجة، فالتفكير يولد من رحم المعاناة والآلام، وفي زمن الاضطرابات والأزمات».