الهادي التليلي
الدورة الاستثنائية في تاريخ منتدى قادة دول مجموعة العشرين التي نجحت الرياض السعودية في تحويلها إلى درس تنظيمي بكل المقاييس جعلت الكثيرين يفكرون في إمكانية عودة القمة للسعودية من خلال مدينة ثانية مثلما حصل في الدورات الأولى للمنتدى؛ إذ إنه بعد أن نظمت واشنطن الأمريكية الدورة التأسيسية في 15 نوفمبر 2008 استعادت أمريكا تنظيم المنتدى بعد سنة واحدة، وتحديدًا في سبتمبر 2009 من خلال مدينتها بترسبرغ، آخذة المشعل من العاصمة البريطانية لندن.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما مدى مشروعية هذا الطرح والحال أن القمة تتنقل بين بلدان جوهرية في قرار المجموعة الكونية وعدد من دول المجموعة لم يحصل لها شرف تنظيم هذا المنتدى ولو مرة واحدة، ونعني بذلك البرازيل وفرنسا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية؟
والجواب: أولاً الإجماع على أن للمملكة الجهوزية النوعية عالية المستوى في تنظيم مثل هذه المحافل وغيرها تقنيًّا وإدارة للمحتوى وقدرة على تفعيل المقررات إلى واقع بحكم حجمها الاقتصادي ووزنها الدولي؛ فهي لم تكن مجرد مقر لتنظيم فعالية مؤتمر دام سنة كاملة من الأشغال، وطويت صفحته، بل هي فاعل مركزي في تحويل ألم البشرية إلى ابتسامة أمل، ودمج القرارات البيئية في مقررات القمة، علاوة على قيم التآزر من أجل سد فجوة الفقر، واستنهاض الدول الفقيرة التي تأذت من كورونا؛ كي تستعيد عافيتها الاقتصادية، وتصبح أكثر قدرة على سداد ديونها السعودية، واستطاعت توحيد صف العالم الذي قلّ وندر أن يتوحد حول موقف واحد، وهذا ليس في مقدور أي كيان عادي.
وثانيًا: السعودية استلمت قمة مجموعة قادة العشرين في ظرف وبائي، يعسر على أي دولة أن تقوم بإنجاحها كما نجحت المملكة والعالم في حجر صحي، والخوف يمنع أيًّا كان من السفر إلى أي مكان، فما بالك بالقادة والحضور في مؤتمر يجمع أهل القرار الكوني على مستوى الاقتصاد والسياسة. فمن أبسط حقوق هذا البلد الذي حول القمة إلى حدث رائع رغم التحديات الكونية المعيقة، فما بالك لو كانت القمة في وضع غير وبائي، وفي لحظة تاريخية سوية السعودية بالرغم من كل الصعوبات قدمت دورة هي الأميز بشهادة وإجماع كل المراقبين.. فمن حقها أن تعطى فرصتها كاملة من خلال مدينة أخرى مثلما حصل مع بترسبرغ الأمريكية التي نظمت دورة ثانية للمنتدى لأمريكا.
وثالثًا: من حق العالم أن يستفيد من التجربة السعودية الراقية في إدارة شأن القمة بالإمكانيات عالية الجودة في وضع سوي. أكيد أن الاستفادة ستكون أكبر بحكم قدرة السعودية على تحويل المنتدى إلى مركز قرار تجاوز في شأنه وحضوره الأمم المتحدة وممثلتها منظمة الصحة العالمية في التعاطي مع جائحة كورونا؛ لأنه بكل وضوح مع ثقل السعودية أصبحت مجموعة العشرين أكثر جدوى للبشرية من منظمة الأمم المتحدة التي ظهرت باهتة الحضور مرتعشة اليدين في اتخاذ ما يجب من قرارات تجاه جائحة هددت وتهدد مصير البشرية.
رابعًا: كل قمة لمجموعة العشرين تشبه حجم البلد المستضيف لها من حيث القوة والحجم، وكل دولة مستضيفة تسعى إلى أن تقدم للمنتدى وللبشرية من خلاله ما يشبهها من عطاء وإيثار للإنسانية حتى تصبح الدورة بمخرجاتها علمًا على رأسه نار - كما يقال - فماذا يمكن أن تضيف فرنسا التي تعصف بها المصائب الاقتصادية والاجتماعية؟ والشيء نفسه البرازيل وإندونيسيا وغيرها لقمة منتدى مجموعة العشرين؟ هي دول أصبحت بعد كورونا تبحث عن ذاتها في خارطة الوجود الكوني، وغير مؤثرة على المستوى الاقتصادي العالمي.
لذلك، ولخير المجموعة والبشرية، وحتى تستمر المتابعة لمخرجات الدورة الـ15 لقمة مجموعة العشرين، نرى ما يراه الكثيرون، أن تعود قمة مجموعة العشرين إلى السعودية عبر إحدى مدنها الجميلة لاحتضان دورة ثانية بالسعودية والعالم العربي لخير الجميع في هذه الأزمنة العصيبة.
السعودية أصبحت من الرباعي المؤثر عالميًّا مع الصين وأمريكا وروسيا، ولها ثقلها السياسي، ومستقبلها المشرق رسخته رؤية 2030، الخطة الاستراتيجية التي جعلت كل العالم يطالع بإعجاب وانبهار الإجراءات الحداثية على مستويات المرأة والمجتمع والثقافة والاقتصاد، وهي قادرة على استعادة دورة ثانية لقمة مجموعة العشرين؛ لأن لها قيادة تشرع لها الحلم بمستقبل أفضل وأجمل.