دائماً ما كان يشغله.. ماذا لو لم أكن أشجع الهلال...؟
ماذا لو كنت في كنف فريق آخر ومتلبساً بحب لون آخر...؟
أي حياة كنت لأعيشها وأي تفاصيل كانت لتسكن ذاكرتي.. وأي هوية كنت لأنتمي لها؟
على مدة خمسة عقود من عمره والهلال علامة فارقة في حياته.. تضيء بالفرح كل حين، ولا تجد سماؤه ظلاماً معه أبداً...!
كان يعجب لحال محبي الهلال وما يفعله بهم، كان أقاربه يدرسون، وما إن تأتي مباراة لهلال، حتى يكون الهلال هو المنهج، وتكون الصيحات والصرخات هي الشرح والهامش للمتن الحقيقي للحياة..
كان في كل مجلس يجلس فيه يجد أن الهلال على ألسنتهم ويسكن أرواحهم ويتحدثون عنه بحب ويدافعون عنه بضمير مخلص وهم لهم أوزانهم وثقلهم في المجتمع الأسري والمجتمع الوظيفي..
من خلال تأملاته لمن حواليه، يجد ألا أحد يخجل أن يكون هلالياً، بل ويفاخر به أياً كانت مكانته ومركزه، وينشر ثقافة تشجيعه جيلاً بعد جيل لكي يضمن سلامة المجتمعات نفسياً ويبث ثقافة السعادة من خلاله في كل اتجاه....!
كلنا يعلم أن الهلال يأتي لصاحبه ويمنحه العلياء به، ويجعلك تبصر في السماء وتبحث لك عن نجمة، فيبتسم لك بدر ويفرح بك هلال، فتمطر الأرض معكما ذهباً وسحراً...!
بلغ الخمسين من عمره.. وللهلال معه خمسون حكاية فرح تتلوها خمسون من قبل ومن بعد...!
تعلّم ثقافة الفوز.. وتفهم معنى أن تكون بطلاً.. وأيقن أن لا شيء أهم من الهلال...!
نبض قلبه بالهلال فأصبح كله عطاء وسخاء..
متى ما ضاقت عليه الأرجاء.. هرب إلى هلاله واستمتع به إنجازاً وإعجازاً...!
لا شيء يتعبه مثل أن يتطاول أحد على هلاله سراً أو جهراً.. يخاف عليه أن تستعجله العقوبة وأن يتخطفه القدر.. لأن التاريخ والتاريخ لا يكذب أخبرنا أن من يظلم الهلال سينال عقابه ولو بعد حين...!
الهلال ليس بدعاً من الناس ولا يمكن لعاقل أن يعتقد أنه سينال كل شيء ولا يدع للآخرين شيئاً.. بالعكس التاريخ يشهد ألا أحد صنع فرحاً للآخرين مثل ما منحهم الهلال من هدايا وصدقات وزكوات، نحسن للقريب والبعيد معاً، ونهتم بالجار والرفيق ونشيع فرحاً لنا وبدوننا، بل إن حجم فرحهم بهزيمته تعدى فرح أنديتهم كله بفوزهم...!
وفي المقابل.. النادي الذي جعل هدفه إسقاط الهلال سقط بسرعة وتوارى.. والنادي الذي اختار أن ينهج نهج الهلال وصل ونافس وفاز بسرعة...!
هو الهلال كعادته متفرّد بالمسافات والسرعة.. والزمن الذي يصل بك لمبتغاك هو نياتك معه وبياضك تجاهك...!
منذ أن أنشأ الشيخ بن سعيد -رحمه الله- النادي وهو يشعر أن هذا النادي جاء ليؤسس تاريخاً وليصنع حضارة.. وبعد ألف عام سيذكر التاريخ أن الهلال كان حضارة ما زالت ولن تزول، وأن ما من منتم لها إلا وقد خرج منه بنجاحات لا حد لها..
يكفي أن تقول إنك هلالي.. لتنال الرضا وتحقق التوازن وتهتم بنفسك ولا تنشغل بغيرك وتحترم ما أنت عليه فتبدع أكثر في أمرك كله...!
سر نجاح الهلال أنه يطور نفسه بنفسه ولا ينشغل بعبث العابثين حوله لأنه مؤمن أنهم يمكرون ولكن الله يحدث بعد ذلك الخير للهلال وأهله...!
عندما تسلَّم عبد الله بن سعد رئاسة الهلال، كانت دعوة صادقة للهلال في أن نمنح الفرصة للشباب أن يضع بصمته في الكيان الأزرق.. وكان عبد الله بن سعد ولا يزال في ذاكرتنا ونترحَّم عليه كل حين ومع كل إنجاز نهديه له ونقول إننا ما نزال على العهد والوعد وسنظل...!
من نوفمبر 2019 والهلال يعيش في فلك مستقل يبتعد فيه عن الجميع مسافة سنة ضوئية تجعله نور النور وحاقدوه في ظلام يعمهون...!
عاد من آسيا وهو يحمل جينات وخلايا جذعية منحت جسده الرياضي حيزاً من كمال ورقي جعلاه أكثر نضارة وأقوى قدرة على مجابهة الحياة..
يدخل كل بطولة وهو يعرف أنه سيفوز لا محالة، وكل بطولة تقول له أنت سيد عرشي ومنصتي المتوج..
لذا أهدافه واضحة وخطواته محسوبة ويعمل وفق منظومة فتخرج قراراته كما يجب وتصب في مصلحته كأهم شيء.. الكيف المقنن يهزم كل «كم» انشغل به غيره عمَّا هو أجود وأفضل له..
الهلال خاض نهائي كأس الملك، وهو يرى فيه نهائياً مختلفاً، يرى فيه ملامح حرب لا يعرف سببها وتحركات ليست على قلب رجل واحد ولكنها صناعة فكر واحد...!
الهلال في النهائي.. قال للكل: لا تتحدوا الهلال بسلاح رخيص.. كونوا شجعاناً وتقدموا.. وثقوا أنكم إن فزتم فسيفرح لكم الهلال أكثر لأنكم نلتم شيئاً ليس من السهل الحصول عليه...!
الهلال في كل نهائي خاضه.. ينتصر لابن سعيد ولعبد الله بن سعد ولكل من عمل بضمير...!
الهلال في النهائيات.. لن يسمح لتطاول لا يليق.. ولن يرضى بمنافسة غير شريفة.. يلعب لأن الرياضة متعة وليس لأن الرياضة درك أسفل ومعترك أسود...!
الهلال في نهائي كأس الملك.. قال عفواً هذه الكأس لي وهذه البطولة لن أتنازل عنها طوعاً ولا كرهاً فقط لأثبت أنه لا يزال في رياضتنا متعة لا تضاهى ولا يصنعها مثل الهلال...!
الهلال بعد النهائي ورغم أنه مشبع بالبطولات، لكنه في هذه البطولة له حق الحق...!
** **
- خالد الباتلي