عبدالعزيز السماري
شاهدت حلقات لبرنامج حواري مع الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، ورئيس هيئة علماء المسلمين، ورئيس رابطة الجامعات الإسلامية، يتحدث فيها مشكورا عن مرحلة التجديد في المملكة العربية السعودية، طبقا لرؤية المملكة 2030، وعن مشروع تنويري جديد تطلقه المملكة في العالم وخاصة في الفكر الديني، وهو خطوة إلى الأمام، برغم من صعوبة المهمة، فالطريق غير معبدة بالعقلانية، ولكن ملغمة بعقول لا تقبل أي محاولة للتغيير والتطوير مثل بقية الأمم.
من أجل أن نصل إلى غاية تطهير الدين من تقاليد الماضي، علينا أن ندرك أن التحديات في غاية الصعوبة، خصوصاً عندما تواجه عقول لا زالت تؤمن أن سبي النساء شرع لله - وأن من أنكره ملحد وكافر، وأن النساء متاع للرجل في الحياة الدنيا، كذلك لا يمكن قبول ذلك الموقف العدائي المتشدد ضد الآخر، وإن كان مواطناً يستحق حقوق المواطنة.
قد لا تطول الهدنة مع التطرف والإرهاب مهما حاولنا الهروب من المواجهة الحتمية مع جذوره؛ فالتطرف أفكار وتقاليد قبل أن يكون ممارسة، والتطرف سلوك إقصائي قبل أن يكون عنفاً، والتطرف فهم جامد للدين قبل أن يكون فتاوى تُحرم كل جديد.
كنت قد كتبت مقالاً حول الموضوع في عام 2015، وبعنوان الحلول غير الأمنية للتطرف، أعيد بعضها، إذ قد تساهم الحلول الأمنية في الحد من ظواهر العنف الفردية، لكنها لا تعالج جذور وأصول التطرف التي تنطلق منها أعمال العنف؛ فالعقول قد تختار الصمت والانكفاء لبعض الوقت، لكنها تنتظر الفرصة في المستقبل للظهور مرة أخرى؛ لذلك لا تكفي الحلول الأمنية لمعالجة التطرف، إذا كانت مصادرها تحظى برعاية واهتمام وحماية.
من أهم خطوات معالجة التطرف أولاً الخروج من ظاهرة إطلاق الأحكام والفتاوى الأحادية التي لا تقبل حق الاختلاف حولها، على أنها الحق المبين، ومن خلال نظرة سريعة لأحكام الفتاوى لحياتنا اليومية سنجد أننا نعيش في المحرمات؛، وهو ما يجعل مثل هذا الفكر قنبلة موقوتة في المستقبل.
نحتاج إلى التحول سريعاً من مجتمع الرعايا الذي يعيش على الإعانات والهبات الفردية إلى مجتمع صناعي واقتصادي منتج، ولن يخرج الحل من الاستمرار في تأسيس المدن الصناعية المتكاملة في مختلف أنحاء المملكة، التي تطبق الآليات الحديثة في الإدارة، وتعنى بنقل التقنية والمنتجات الحديثة إلى الوطن.
نحتاج إلى الاستثمار أكثر في تنمية السياحة ونشر ثقافتها التي تعتمد على تعزيز العلاقات الإنسانية مع الثقافات الأخرى. وتعتبر الثقافة السياحية بمنزلة المقياس الدقيق على درجة التحول من الانعزال إلى الانفتاح على العالم، وقد تحققت أشياء كثيرة في هذا المجال.
كذلك ظهرت مبادرات إعادة برامج الترفيه إلى الحياة الاجتماعية، ونشر المسارح وفتح دور السينما وتعزيز قنوات السعادة في المجتمع، وطرد الكآبة التي تهيمن بصورة مخيفة على كثير من العقول في المناطق النائية.
نحتاج أكثر إلى طرد ثقافة الفقر والحاجة، التي تولد تلك الرغبة الجامحة في الخروج عن الخط العام، والاستجابة لنداءات التغيير من خلال التطرف والعنف والقتال. ولو راجعنا مختلف ثورات التطرف في العالم لاكتشفنا أنها تبدأ أول فصولها في شوارع الأحياء الفقيرة.
أخيراً، ومن أجل تعزيز الموقف من التطرف، نحتاج أكثر مما مضى إلى تعزيز ثقافة النزاهة وتبرئة الذمة أمام الناس، التي تعتبر مفتاح الاستقرار الأول، فاختلال الثقة بين الناس والمسؤول يبدأ عند أول إخلال بمبادئ النزاهة في تحمل المسؤولية.