محمد سليمان العنقري
حديث معالي محافظ البنك المركزي الدكتور أحمد الخليفي في «جولة فنتك 20» يظهر حجم التحدي الذي ستواجهه البنوك التقليدية مع منافسيها شركات التقنية المالية التي تسمى اختصاراً «فنتك» حيث قال «إن دخول شركات التقنية المالية «فنتك» في القطاع المالي السعودي يمثل تحديًا مباشرًا للمصارف التقليدية، إذا لم تفزع وتطور منظومتها ونماذج العمل لديها»، فصحيحٌ أن البنوك التقليدية إطار أعمالها واسع جداً لكن التطور الهائل والمتسارع في خدمات شركات الفنتك سيقطتع جزءًا كبيرًا من حصص البنوك في العديد من الخدمات التي باتت سرعة وسهولة تقديمها هي معيار جذب العملاء.
فالتقنية المالية ليست وليدة هذا القرن، إذ يؤرخ لها المختصون بأنها بدأت قبل قرابة 150 عاماً عندما مدد أول كابل بحري للتلجراف عبر الأطلسي ليكون بداية بناء البنية التحتية للعولمة المالية، لكن منذ العام 1950 م بدأت مرحلة جديدة في عالم التقنية المالية بإصدار أول بطاقة ائتمان من شركة دينرز كلوب وتوالى تشييد البنى التحتية للتقنية المالية بتسارع كبير، ودخل الحاسب الآلي حيز العمل بالبنوك منذ ستينيات القرن الماضي وصولاً لعصر الإنترنت منذ التسعينات بالقرن الماضي إلى تسارع ثورة الاتصالات واختراع الأجهزة الذكية وتأسيس التطبيقات للعمل عليها مما مكن المستثمرين من رواد الأعمال بالمجال التقني من ضخ أموال هائلة في الاستثمار بالفنتك والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، لكن السنوات القريبة الماضية هي من شهد هذه الطفرة بالاستثمارات، ففي عام 2008 تم ضخ 1.2 مليار دولار أميركي لكن في العام 2018 وصل حجم الاستثمار بالتقنية المالية إلى 112 مليار دولار، أي تضاعف أكثر من مائة ضعف مما يشير لحجم هذا القطاع الذي بات مؤثراً حيث يعمل فيه أكثر من عشرة آلاف شركة عالمياً.
فما ساعد على النهوض بهذا القطاع عوامل عديدة كان منها أزمة 2008 المالية واهتزاز الثقة بالبنوك عالميًا والتشديد عليها بأنظمة رقابية جديدة وفتح المنافسة بالاستثمار بقطاع التقنية المالية، إضافة إلى ظهور تقنيات ممكنة سهلت تطور هذه الصناعة كتقنية بلوك تشين والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها، كما أن ظهور شركات بتعاملات رقمية صافية أعطى مجالاً للمقارنة بينها وبين خدمات البنوك التقليدية، إذ مكنت تلك الشركات المستخدمين من إنجاز أعمالهم أو طلب خدماتهم بأقل مجهود وبسرعة فائقة وبطرق سداد سهلة ومن أي مكان فقط يطلب توفر الإنترنت، وبذلك باتت التقنية المالية أيسر وأسهل خصوصًا بالمدفوعات من الطرق التقليدية من البنوك رغم أنها كانت تعد متطورة لكن قبل عالم «الفنتك» بحلته الجديدة مما يعني أن السنوات القادمة ستشهد نقلة نوعية كبيرة بخدمات تلك الشركات وستسيطر على حصص كبيرة بأعمال القطاع المالي، فقبل حوالي الشهرين كان هناك نية لطرح شركة صينية «آنت جروب» وهي تعمل بقطاع التقنية المالية لتكون أكبر طرح في تاريخ البورصات، حيث كان يتوقع أن تجمع قرابة 35 مليار دولار لكنه توقف لأسباب غير معلومة، وهي إشارة لأن هذه الشركات ستصبح هي القائد عالمياً من حيث استقطاب الاستثمارات وستتمكن من قيادة القطاع المالي مزيحة البنوك التقليدية من مركز القيادة.
بات غالبية البشر من سن مبكرة يتعامل مع التقنية ويمتلك جهازاً ذكياً، وهو عامل مساعد على دعم التوسع بقطاع التقنية المالية، ولذلك يتوقع الخبراء في أكبر بيوت الدراسات والاستشارات العالمية أن البنوك التقليدية مهددة بالزوال في بحر 30 عاماً قادمة إذا لم تطور من أعمالها وتدخل مجال التقنية المالية لتكون منافسة فيها، وهذا لا يعد مستحيلاً في ظل التطور العالمي الذي نشهده في الكثير من القطاعات التي بدأت تتبخر فيها الأعمال التقليدية لصالح الأعمال التي تعتمد التقنية الحديثة، كما يحدث بقطاعات التجارة الإلكترونية وخدمات المركبات وكذلك المدفوعات والعديد من التوجهات لتغيير جذري بالأعمال خصوصاً بعد جائحة كورونا.