عبد الاله بن سعود السعدون
تمر إيران الملالي بحالة صعبة من الناحية الأمنية والاقتصادية بعد اختراقها أمنياً بتنفيذ عملية اغتيال مهندس تصنيع الطاقة النووية البروفسور محسن فخري زادة في ضواحي عاصمة النظام الإيراني، وتدل هذه العملية النوعية الجريئة بصفتها للسرية التامة في إعدادها وتنفيذها بدقة متناهية، دون ترك أي أثر دال على من نفذها، لتعطي مؤشراً قوياً على ضعف المنظومة الأمنية والاستخبارية الإيرانية، وهذه العملية الجريئة لم تنفذ في منطقة حدودية أو مضطربة أمنياً ومعارضة لنظام الملالي مثل الأحواز السليبة، بل استهدفت قلب السلطة ومقر القيادة المذهبية لإيران وعملائها في العالم الإسلامي، طهران العاصمة ومركز كل القوى الأمنية والعسكرية ومكتب المرشد الأعلى للنظام في إيران، ما يعد مؤشراً على اختراق قوي من المعارضة الداخلية لمركز النظام المتهالك أمنياً في كل إيران نتيجة للضربات الموجعة وفي كل مراكز القوة السياسية والأمنية، حتى أصبح متهاوياً لا يستطيع حماية الرجال المهمين لإسناد نظامه داخلياً ومصدر قوته التهديدية لجواره الإقليمي بقرب تملكه للأسلحة النووية الفتاكة، وبصورة خاصة بعد التمرد الإيراني على مقررات المجتمع الدولي وإجماعه باستثناء مجموعة صغيرة من المنتفعين من إيران لوجود استثمارات كبيرة لهم، نتيجة تأييدهم للملف النووي وتمريره عن طريق بعض دول الاتحاد الأوروبي الذين وجدوا أنفسهم متورّطين في اختيار القرار السياسي ليخرجهم من هذه الورطة التي أوقعهم بها قرار الرئيس ترامب برفض اتفاقية الملف الإيراني، واعتبره أغبى قرار اتخذه سلفه الرئيس أوباما.
ومع تداعيات الحظر الأمريكي اقتصادياً على النظام الإيراني الذي انعكس على بازار طهران المالي الذي فقد قدرته على تحريك عجلة التصدير التجاري للعالم الخارجي، ولم يبق أمامه إلا عملية الإنقاذ من أصدقائه في بغداد حتى بلغ مستوى التصدير لأعلى مستواه حالياً بين بغداد وطهران، وتعدى أكثر من عشرين مليار دولار أمريكي خلال الميزان التجاري والذي يميل كلياً لصالح التصدير التجاري الإيراني من خلال المنافذ الحدودية العراقية، ومما صعد الأزمة السياسية والاقتصادية داخل مراكز الحكم في إيران اشتداد حبل الحصار الأمريكي حول رقاب رموز الحكم في طهران؛ مما أثر سلباً على حركة التداول المالي داخل الأسواق المالية، فقد ارتفع سعر صرف الريال الإيراني من 45 ألف ريال للدولار الواحد ليقفز هذا التحديد الرسمي لسعر الصرف إلى رقم خيالي، فأصبح الدولار الأمريكي يساوي مائة ألف ريال، في دهاليز السوق السوداء داخل الحركة المالية للبازار الإيراني، وهب سماسرة مزاد بيع الدولار في البنك المركزي العراقي أصدقاء طهران الملالي لتهريب الدولار للسوق المالي الإيراني بالعديد من ملايين الدولارات يومياً لسد الحاجة للعملة الصعبة في التداولات التجارية الخارجية لتجارة إيران، في الوقت الذي لم تستطع الحكومة الحالية من تدبير المرتبات الشهرية لموظفي الدولة العراقية والذين ينتابهم القلق لمستقبلهم الوظيفي خشية عجز وزارة المالية العراقية من توفير مبالغ نقدية تقابل مرتبات موظفي الدولة للأشهر القادمة حتى نهاية هذا العام الصعب صحياً واقتصادياً، ونشطت أيضاً عمليات تهريب السبائك الذهبية لبيعها في دور الصرافة في الجوار الإقليمي الصديق في العراق وتركيا واستبدالها بالعملات الصعبة لنفس الغرض لإنعاش سوق البازار المالي في طهران، وتحول المواطنون لشراء المسكوكات الذهبية لحفظ قيم مدخراتهم وتحاشي الانهيار المستمر في صرف الريال أمام العملات الأجنبية، وقد انعكس هذا الارتباك الاقتصادي على الشارع السياسي في طهران وكبرى المدن الاقتصادية في إيران، فقد أغلق تجار البازار المالي والتجاري متاجرهم ودور الصرافة احتجاجاً على هذه الهزة في سعر الصرف للعملة الإيرانية، وتسببت تداعيات الحظر الأمريكي وفرض عقوبات اقتصادية على الاقتصاد وبالأخص تجارة البترول التي أصيبت بالشلل التام في منافذ التصدير بموانئ الخليج العربي.
هناك جهود حثيثة يبذلها سماسرة إيران لاستخدام المنافذ العراقية لتهريبه للدول الآسيوية حسب العقود معها سابقاً، ومن أهمها سوق الصين وكوريا الشمالية وتركيا.. إن السوق المالي والتجاري الإيراني في أسوأ حالات التدهور والتضخم؛ مما يهدّد بالإفلاس والاختناق الاقتصادي، وما تهديد روحاني بغلق مضيق هرمز مع كل أزمة أمنية واقتصادية أمام الملاحة الدولية إلا مؤشر حي لاختناق اقتصاد إيران بحبل الحظر الأمريكي المحكم وتداعياته السريعة على داخل الاقتصاد، مما تسبب في التظاهرات والتمرد الاعتصامي في معظم المدن الإيرانية لسوء الخدمات العامة وتأخير صرف رواتب العمال وشمول كل مؤسسات الحكومة لأصناف الفساد الإداري والمالي.
أمام كل هذه المتغيّرات المتسارعة والمنعكسة على أمواج خليجنا المتلاطمة الآن بفعل الحركة المتواصلة لحاملات الطائرات الأمريكية وقطع سريعة من الأسطول السادس لمواجهة أي جنون إيراني يعبث في أمن خليجنا العربي، وآن الأوان لاتخاذ استراتيجية حكيمة تضمن مصالحنا الخليجية العليا وأمننا القومي من مضيق هرمز حتى آخر نقطة عربية في خليجنا الهائج يتعرض لتحريض إيران وتهديدها الدائم، والذي نتمناه أن يحرك الملالي آخر حجرة عقل في أدمغتهم المتحجرة لإنقاذ شعوب إيران من هذا الخطر الذي أصبح قريباً جداً من مياههم الإقليمية.
الأيام القليلة القادمة حبلى بالأحداث والمفاجآت الساخنة إذا لم يعد النظام المتسلّط في مؤسسة ولي الفقيه لرشده وإيقاف التدخل والتحريض في جواره العربي وترك اليمن لأهله الشرعيين والاعتراف بالشرعية الدستورية ورفع يده عن الحوثيين وجرائمهم، وترك مشاريع تصدير ثورتهم الطائفية ومد جسور الثقة والاحترام بين ضفتي خليجنا العربي وإنهاء التبذير في ثروات الشعوب الإيرانية والاهتمام بالمواطن الإيراني بدلاً من الشروع في قتل أبناء العراق وسوريا ومملكة البحرين وأبناء اليمن الذي كان سعيداً قبل تآمرهم على سيادته وتخريبه.
إنها نصائح مجانية قد يكون وقت إيصالها لآذان الملالي قد فات لأن أقدامهم بدأت تسخن من نار السونامي الثائر في الداخل والخارج والممتد حتى الساحل الشرقي لخليجنا العربي في مدن إمارة الأحواز العربية السليبة.