عبدالوهاب الفايز
إعلان وكالة موديز للتصنيف الائتماني الاثنين قبل الماضي عن رفع تصنيف الشركة السعودية للكهرباء من درجة (A2 إلى A1)، وهي نفس درجة التصنيف الائتماني السيادي للمملكة، هو أول ثمرة إيجابية سريعة للمشروع الحكومي الكبير الذي قاده الأمير عبدالعزيز بن سلمان لقطاع الطاقة، وحظي بدعم ومتابعة سمو ولي العهد. وإنجاز هذا الملف تم بوقت قصير رغم الانشغال بقمة العشرين، وأزمة أسواق النفط، وتداعيات كورونا محليًّا وعالميًّا.
هذا المشروع تضمن (تطبيق مجموعة من الإصلاحات التنظيمية والهيكلية والمالية الشاملة في قطاع الكهرباء)؛ لذا بنت وكالة موديز تصنيفها الجديد عندما تأكدت أن (الإطار التنظيمي المعتمد حديثًا للشركة السعودية للكهرباء يوفر آلية شفافة ووضوحًا مستقبليًّا حول إيرادات الشركة، مقارنة بالوضع السابق).
اتفاقية الشركة مع الحكومة رتبت تحويل صافي الالتزامات المالية المستحقة للحكومة على الشركة، البالغة 167.92 مليار ريال سعودي، إلى أداة مالية ثانوية، وبهامش ربح سنوي (4.5 %). وهذه الاتفاقية تعتبر (أكبر صفقة تمويل إسلامي يتم تنفيذها عالميًّا). وهذا من منافع هذه الاتفاقية؛ إذ يدعم المملكة لتنمية موقعها الرائد عالميًّا في مجال التمويل الإسلامي.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأمير عبدالعزيز بن سلمان لإعلان هذه الإصلاحات تحدّث سموه بتوسع وشفافية لإيضاح أهمية هذه الخطوة للقطاع الذي ظل في العقود الماضية بعيدًا عن الحوكمة، وتنقصه التشريعات والاستثمارات المستقرة، وأسهم في زيادة الأعباء على المالية العامة وعلى الناس والمستثمرين. وهذا الوضع دعا الأمير عبدالعزيز للاعتذار عندما قال: (نحن نعتذر للقطاع وللناس وللمستثمرين). وهذه الشجاعة الأدبية هي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها أدبيات الحكم.
ومثل هذه الشجاعة رأيناها من قبل في حديث سمو ولي العهد حول مشكلة الإسكان التي ظلت لسنوات مصدر معاناة للناس؛ فقد ذكر سموه أن إدارة الحكومة لهذا الملف في السنوات الماضية أدت إلى تنامي مشكلة تملُّك السكن رغم وجود الإمكانات والآليات لحلها؛ لذا حرص سموه على وضع هذه المشكلة للناس وللاقتصاد في أولويات الحكومة. وبحول الله سوف تتواصل النجاحات في الإسكان، كما ننجح الآن في حل مشكلة الطاقة الكهربائية التي ظلت تستنزف مواردنا، وتهدد مستقبل ثرواتنا النفطية.
أيضًا هناك العديد من المنافع لهذه الإصلاحات التنظيمية والمالية للمستهلكين وللاقتصاد الوطني؛ فتحويل هذا المبلغ الكبير إلى أداة مالية مبتكرة سوف يفيد سوق الدين السعودي ويعمقه، وكذلك يوسع مجال الاستثمار والادخار. وبالنسبة للشركة سوف يساعدها على الاقتراض؛ وهو ما ينعكس على استقرار مشاريعها والتزاماتها تجاه التنمية في المملكة، وأيضًا يمكّنها من تحقيق مستهدفات التحول إلى الطاقة النظيفة عبر الاستفادة من مزيج الطاقة السعودي.
أقرب مثال على أهمية هذه الخطوة الجريئة والاستراتيجية أن الشركة في سنوات مضت لم تستفد من فائض إنتاج أرامكو من الغاز، وظلت تستهلك النفط الخام والديزل بشكل كبير، ووصل استهلاكها في الصيف الماضي - كما ذكر سمو وزير الطاقة - إلى ما يعادل 800 ألف برميل يوميًّا، وهذا يعني أننا بحاجة لخفض هذا الرقم حتى نتمكن من تصديره؛ وهو ما يعزز حصة المملكة، ويعطيها المرونة للتعامل مع العرض والطلب بدون الحاجة إلى استثمارات مستمرة لرفع الطاقة الإنتاجية للنفط.
والأهم أن هذا المشروع الاستراتيجي يحقق أهداف مزيج الطاقة الوطني الذي يستهدف إنتاج 50 % من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح)، والباقي من الغاز، ونسبة قليلة جدًّا ومحدودة من منتجات بترولية أخرى لدواعي الضرورة، خاصة في المناطق النائية. وهذا يعني أن المملكة جادة في مبادرتها التاريخية (الاقتصاد الدائري للكربون) التي اعتمدتها مجموعة العشرين؛ لذلك فهي عندما تقدم مبادرتها تبدأ بنفسها.
مهم لنجاح الرؤية ومستهدفاتها أن نرى صورة حية لتكامل الأداء الحكومي لإنهاء الملفات الوطنية الرئيسية المعلقة، مثل ملف الطاقة. أول خطوة حاسمة في هذا القطاع كانت في مشروع (كفاءة الطاقة) الذي يحقق منجزات متلاحقة.
الإفراط في استهلاك الطاقة كان أحد المؤشرات السلبية لظاهرة الاستهلاك في مجتمعنا؛ فاستمرار تجاوز معدلات الاستهلاك معدلات الإنتاج مؤشر خطير على الدولة وحيويتها. وهذا الذي نأمله. نأمل رفع القدرة الإنتاجية للفرد حتى نتحرر من الاعتماد على النفط.