م. خالد إبراهيم الحجي
إن القلق الدائم عند قيادة الثورة الإيرانية هو مخاوفها من انهيار نظام حكمها في أي وقت؛ لذلك تلجأ إلى المجال الجيوسياسي، وتكدر استقراره النسبي، وتعكر صفوه المحدود؛ لكي تسمح لها البيئة الجيوسياسية المتوترة، أن تلقي اللوم على الدول الأخرى «السعودية وإسرائيل وأمريكا».. وهو النهج الذي دأبت على ممارسته قيادة الثورة الإيرانية، لتهدئة مشاعر الشعب الإيراني وتخديرها؛ وبالتالي يسهل على الحكومة الإيرانية تحمل عواقبها، بحجة أنها لا تستطيع التحكم في سلوك هذه الدول الأخرى.. وحتى الآن، إلقاء اللوم على الدول الأخرى أداة سياسية فعالة في يد الحكومة الإيرانية؛ لأنها تستخدمها لتوجيه الرأي العام الإيراني نحو نظرية المؤامرة التي تحاك ضد الدولة، ليصدقها الشعب الإيراني؛ مما يتيح لها ممارسة الضغوط على المعارضين الداخليين والخارجيين للسياسة الإيرانية. فمن الأسهل على حسن روحاني، رئيس الدولة الإيرانية، الادعاء بأن كل الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية التي يعاني منها الشعب الإيراني، هي بسبب الدول الأخرى، وليست بسبب سياسة التمدد الإقليمي، وتبديد ميزانية الدولة على الإنفاق الخارجي، لدعم وتقوية وكلائها: «حزب الله في لبنان، وكتائب حزب الله في العراق، وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن، وتزويدهم بالصواريخ والمسيَّرات المفخخة التي يطلقونها على المدنيين الإسرائيلين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى المدنيين في الأراضي السعودية».. وقيام الحكومة الإيرانية بتوجيه أصابع الاتهام إلى مصادر خارجية، بدلاً من الاعتراف بأن الحكم الإيراني الثيوقراطي الذي يقوم على توظيف السلطة السياسية على أساس ديني، روحي عنصري، هو سبب الاضطرابات المتجذرة في الانقسام العرقي العميق، والظلم الطويل الأمد في العنصرية الفردية والنظامية، وفي وحشية الشرطة. وفي نقص كل من: التعليم الجيد، والرعاية الصحية، والإسكان، وضياع فرص العمل التي تركت آثاراً مؤلمة على الشعب الإيراني، تتمثل في: الإحباط وعدم الرضا عند البعض بسبب فقدانهم لوظائفهم، والانخفاض الكبير في الدخل المالي عند البعض الآخر، والمتأخرات من الأجور التي تعتبر واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه إيران في الوقت الحاضر. وقد تزايد الإحباط وعدم الرضا عند عامة الشعب، وبلغ منتهاه مع الانخفاض المستمر في قيمة الريال الإيراني، وارتفاع الطلب على العملات الأجنبية بين الإيرانيين العاديين الذينأوا قيمة مدخراتهم تتآكل، وتقلصت قوتهم الشرائية بشكل حاد؛ فقد وصلت أسعار الريال الإيراني إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 300 ألف للدولار الواحد، في تعاملات أكتوبر 2020 . كما أدت مشاكل العملة الإيرانية إلى نقص السلع المستوردة، والمنتجات المصنوعة من موادٍ خام من الخارج.. وحسب بيانات صندوق النقد الدولي فإن التضخم وصلت نسبته إلى 51.4 % في شهر أبريل 2020 وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية.. ولقد أدى ارتفاع الأسعار إلى طوابيرٍ طويلةٍ في محلاتِ السوبر ماركتِ لشراء المواد الغذائية المدعومةِ من الحكومة، وخاصةً الطلب على زيوت الطعام واللحوم المقننة.. كما يقدر صندوق النقد الدولي، أن احتياطيات إيران من العملات الأجنبية قد انخفضت إلى 85 مليار دولار؛ أي بلغت نسبة 20 % أقل من مستواها في عام 2013م، وهذا التقدير الجديد من صندوق النقد الدولي يشير إلى أن إيران لديها أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات، وذلك يعود إلى انخفاضِ مبيعات النفط الذي أدى إلى انخفاضٍ كبيرٍ في عائدات إيران من النقد الأجنبي، وهو الذي يدفع إيران إلى القيامِ بمحاولات بائسة لانتهاك القواعد الدولية، بتسيير ناقلات النفط الإيرانية من خلالِ إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بنظام التتبع التلقائي العالمي (AIS). ويقال أيضًا إن إيران تُجري بشكل متكرر عمليات نقل النفط والمنتجات النفطية من سفينةٍ إلى أخرى لتفادي نظام التتبع إلى أماكن وصولها.. وإدراك ومعرفة الشعب الإيراني وعلمه أنه لم يتم عمل أي إجراءات حكومية فعالة تجاه هذه العلل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، هو الوقود الذي يبقى الغضب الشعبي متأججاً، والزيت الذي يلهب الاحتجاجات، ويحولها إلى احتجاجاتٍ عارمةٍ واسعةِ النطاق، خلالها ينزل مئات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في جميع أنحاء إيران، يردد فيها العمال المضربون والمحتجون هتافات مثل: لا. لا. لخامنئي و»استقلال، حرية، جمهورية إيرانية» وهو نفس الشعار الذي هُتف به إِبَّان الثورة الخمينية ضد شاه إيران في ديسمبر 1978م: «استقلال، حرية، جمهورية إسلامية»، مع استبدال كلمة إسلامية بكلمة إيرانية، وهي تدل على شدةِ غضبهم على النظام الحاكم، وحنقهم على مبادئِ الثورة الخمينية.. إن اعتراف الحكومة الإيرانية بالأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الاحتجاجات الشعبية المستمرة في الشارع الإيراني، لن يبرر العنف والسلوك الإجرامي الذي تمارسه في حقِ الشعب الإيرني، لكنه يُحَوِّل مسؤولية إنهائها إلى الرئيسِ روحاني والمرشد الأعلى خامئني لإنفاذ القوانين المدنية العادلة في حقِ الشعب الإيراني..
الخلاصة:
الشعب الإيراني مُحبطٌ، وما تحتاجه إيران هو أن تساعد نفسها من خلالِ إصلاح نظامها، وأن تصبح دولة إيجابية في المنطقة، وناجحة في كلِ الأمور التي تلائم وتناسب رغبات شعبها، وتحقق طموحاتهم.