حماد الثقفي
تعد البنوك المركزية من أشد الجهات حوكمة واستقلالية في العالم، للحساسية المُفرطة من أي تدخل في استخدام أدواتها النقدية المؤثِّرة على الاقتصاد والأموال بشكل فوري، بعكس السياسات المالية الأخرى، التي توضيح علاقة البنك بالحكومة والجهات الدولية الخارجية ذات العلاقة، ووضع النظام إطاراً لحوكمة أعمال البنك وقراراته، لأنها أولاً وأخيراً، تقع تحت إدارة الحكومات، لذا كان ضرورياً أن يرتبط مباشرة بالملك -أيَّده الله-، مع استمرار تمتع البنك المركزي بالاستقلال المالي والإداري، وذلك مواكبةً للمُمارسات العالمية، فتُحدّد حجم النقود المُتداولة في الاقتصاد والأسواق، إضافة إلى حجم الأوراق المطبوعة والمسكوكة، بجانب دورها الرقابي على البنوك التجارية من حيث الالتزام بالسياسات التي يصدرها وإدارة الاحتياطيات النقدية بين المصارف والبنك المركزي.
منذ أن كان بمسمى (نظام النقد الحجازي النجدي) عام 1346هـ/ 1928م، كأول نظام سعودي للنقد، ثم تغير مُسماه بمرسومين ملكيين في عهد الملك عبدالعزيز عام 1952، إلى (مؤسسة النقد العربي السعودي) حتى صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على نظام البنك المركزي السعودي، وتعديل مُسمى مؤسسة النقد العربي السعودي، ليصبح في ثالث مُسمى له بعد أكثر من 68 عاماً، من خلال نظام واسم جديدين بعد نحو سبعة عقود على إنشاء المؤسسة، فإن الاحتفاظ باختصار ساما SAMA له دلالاته الاقتصادية، لأهميته التاريخية ومكانته محلياً وعالمياً، كما أنّ الأوراق النقدية والعُملات المعدنية من كافة الفئات التي تحمل مُسمى مُؤسسة النقد العربي السعودي؛ ستستمر في الاحتفاظ بصفة التداول القانوني والقوة الإبرائية، وأن يرتبط مباشرة بالملك -أيَّده الله- مع استمرار تمتع البنك المركزي بالاستقلال المالي والإداري، وذلك مواكبةً للممارسات العالمية للبنوك المركزية. كما تضمن النظام حكماً يقضي بحلول البنك المركزي السعودي محل مؤسسة النقد العربي السعودي في كافة حقوقها والتزاماتها.
هذه الموافقة تأتي انطلاقاً من حرص القيادة الرشيدة على تحقيق الصالح العام وفق أحدث الأنظمة المالية المعترف بها عالمياً؛ بعد الاعتكاف على دراسة أفضل المُمارسات الدولية في قوانين البنوك المركزية والتوصيات ذات العلاقة، وإخضاع تلك الدراسات للتحليل لضمان انسجامها مع البيئة المحلية واقتصاد المملكة؛ مما نتج عنه مشروع تحديث لنظام مؤسسة النقد «ساما» وتعديل عدد أعضاء مجلس إدارته إلى 7 أعضاء بدلاً من 5 أعضاء، وأن تكون فترة خدمة العضو بالمجلس لسبع سنوات قابلة للتجديد، لتعزيز أدائه لمهامه.
كل ذلك مكَّن المؤسسة من القيام بمسؤولياتها في إدارة السياسة النقدية والاحتياطيات والإشراف على أهم مؤسسات القطاع المالي من بنوك، وشركات تمويل وتأمين، وقطاع المعلومات الائتمانية، وقطاع التقنيات المالية «الفنتك»؛ حفاظاً على الاستقرار النقدي والمالي وتعزيز الثقة فيه، ودعماً للنمو الاقتصادي في المملكة، ومواكباً لمتطلبات العصر والتطور الاقتصادي والمالي المُتسارع حول العالم، ومنسجماً مع رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى أن تكون المملكة نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على مختلف الأصعدة.