الوحدة على مستوى الخلية الاجتماعية الواحدة من الأسرة وصولاً إلى المجتمع المنضوي تحت سلطة واحدة وقانون واحد ومؤسسات موحدة تمثل بنيان الدولة والمجتمع...الخ.
إن غياب الوحدة عن أية مؤسسة من الخلية الاجتماعية الأولى وصولاً إلى المجتمع الموحد والدولة السيدة.. لا يعني سوى شيء واحد هو (التفكك والضعف والضياع) وهنا تتناسل الأزمات والمشكلات ويستعصي حلها والخروج من دوامتها.
في حين تكمن القوة وكافة تجلياتها في الوحدة الراسخة على مستوى الأسرة والمؤسسة والمجتمع وصولاً إلى الدولة السيدة التي تحتكم للقانون وتتحقق فيها العدالة للجميع فتتوفر فيها شروط الحرية والإبداع والمساواة... ويتحقق الأمن والاستقرار فيها للجميع... وهنا تنطلق عملية البناء والنمو والازدهار وتحقيق التقدم والرفاه.
إذا كان ذلك بالنسبة للشعوب والمجتمعات المتحررة والمستقلة، تمثل الوحدة أساس القوة والتقدم والنجاح، فإنها أي الوحدة بالنسبة للشعوب والمجتمعات والدول المحتلة مثل الشعب العربي الفلسطيني أكثر ضرورة وأكثر احتياجا.. إذ لا مستقبل يبنى ولا أمل يتحقق له في ظل غياب الوحدة عنه وعن أي شعب أو مجتمع أو دولة محتلة.
في ظل ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين وما ألحقه بالشعب الفلسطيني من تشتت وتشرد وقتل ودمار وضياع، فإن أهم سلاح يجب أن يمتلكه الشعب الفلسطيني لمواجهة مثل هذا العدوان والاحتلال هو وحدته حول هدف واحد وقيادة واحدة وسلطة واحدة وقانون واحد ومؤسسة واحدة وبرنامج نضالي وكفاحي واحد.
لقد استطاعت الشعوب الرازحة تحت الاستعمار في القرن العشرين أن تواجه المُستعمر بوحدتها في إطار جبهة وطنية عريضة ضمت كافة ألوان الطيف السياسي وببرنامج وطني موحد، وأن تخوض كفاحها ضد المستعمر على هذا الأساس الوحدوي، وتحقق هدفها الوطني في التحرر والاستقلال وبناء الدولة المستقلة والنماذج على ذلك كثيرة في إفريقيا وآسيا من الجزائر إلى فيتنام إلى جنوب افريقيا.
الشعب الفلسطيني لن يكون استثناء عن هذه القاعدة فوحدته هي أساس قوته التي يتغلب من خلالها على كل عناصر الضعف ويقوى بها على مواجهة العدوان والاحتلال والاستيطان وبها يتمكن من انتزاع حريته واستقلاله وتحقيق أهدافه الوطنية، والشعب الفلسطيني يملك من الإرادة والقدرة الشيء الكبير والكثير.. فتجربته النضالية اليوم تزيد على قرن كامل من الزمن في مواجهة الاستعمار والاغتصاب والاحتلال الصهيوني، وقد خاض غمار النضال بوسائل متعددة وحافظ على وحدته المجتمعية والنضالية والسياسية من خلال توحد قواه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي مثلت الجبهة الوطنية العريضة التي ضمت في إطارها كافة القوى الوطنية والمجتمعية.. واستطاعت من خلال ذلك استعادة الهوية الفلسطينية من الذوبان والغياب وانتزعت اعتراف العالم بشرعية نضاله من أجل العودة والحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
ظهور حركات سياسية ذات شعارات دينية خارج أطر منظمة التحرير الفلسطينية أحدث شروخا في جسد الوحدة الوطنية الفلسطينية واتاح للعدو فرصة مهمة لاستثمار هذه الشروخ والاستقواء من خلالها على الشعب الفلسطيني ومواصلة سياسة الهضم والضم والإنكار والطمس لحقوقه الوطنية ومواصلة التوسع والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لذا فإن المسؤولية كبيرة وبالغة تقع على كافة القوى بشكل عام ومنها القوى والفصائل التي لازالت خارج أطر (م.ت.ف) وأعني حركتي حماس والجهاد.. اللتين لا زالتا تقدمان ذرائع مختلفة لتبرير بقائهما خارج أطر (م.ت.ف). ولم تعد تلك الذرائع مقنعة لأي عاقل ولأي غيور على المصلحة الوطنية الفلسطينية.
وهنا يمكننا طرح السؤال على حركة حماس التي نافست على انتخابات السلطة وفازت بها عام 2006م... وما تبعها من انقلاب واستفراد في التحكم في جزء من الأراضي الفلسطينية تحت ذرائع واهية بل وكاذبة كشف الواقع والزمن زيفها وسقوطها. ولم يعد هناك ما يبرر استمرار هذا الانقلاب وما نتج عنه من كوارث على الكل الوطني وعلى مستقبل الشعب الفلسطيني.
اليوم بعد أن أغلقت كافة الطرق لإنهاء هذا الانقلاب، لم يبق إلا التوجه إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، على أن يسبقها أولا: تمكين الحكومة الفلسطينية من بسط حكمها على كامل الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة كما هو الحال في المحافظات الشمالية كي تتمكن من القيام بكافة مسؤولياتها الوطنية فيه وكي تتم الانتخابات في أجواء طبيعية على أساس من الوحدة الكاملة.
ثانيا: الالتزام من قبل كافة القوى والفصائل بالنتائج التي ستسفر عنها الانتخابات.
ثالثا: التزام جميع القوى والفصائل بكافة الالتزامات التي التزمت بها (م.ت.ف) ودولة فلسطين مع كافة الدول والمجتمع الدولي من عضويات واتفاقيات دولية وغيرها تعزز من مكانة فلسطين على طريق انتزاع كافة الحقوق الوطنية وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس.
كل هذا لا يتأتى إلا على قاعدة وحدة المجتمع والقيادة والبرنامج والمؤسسة والقانون الذي يحكم الجميع حكاما ومحكومين.
فهل تدرك حركتا حماس والجهاد هذه المعاني للوحدة واستحقاقاتها في ظل تعاظم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني قبل الولوج للخروج من حالة الانقلاب والانقسام والضعف والتشظي؟!.
إن الوحدة أساس القوة والانتصار... وإن التشظي والانقسام أساس الضعف والانكسار.
** **
Pcommety @ hotmail.com