محمد آل الشيخ
في طهران، وفي وضح النهار، اغتال مجموعة من عملاء الموساد العالم النووي الإيراني (محسن فخري زادة)، بعد أن داهم سيارته أربعة عملاء، وتم اغتياله، رغم الحراسة الإيرانية التي كانت ترافقه. خطة الاغتيال كانت محكمة، ونفذها محترفون، واستطاعوا الانسحاب، دون أن تقبض السلطات الأمنية على واحد منهم. الذين نفذوا هذه العملية الاستخباراتية النوعية والجريئة لا يعرف حتى الآن هل هم إسرائيليون اخترقوا الأمن الإيراني، أم هم إيرانيون تابعون للموساد الإسرائيلي. هذه العملية، وفي توقيتها بالذات، تحمل أبعاداً في غاية الأهمية، أهمها أن الضحية كان من أهم علماء إيران، التابعين لوزارة الدفاع الإيرانية، ويعمل في تطوير أهم مشروع عسكري استراتيجي إيراني، الأمر الذي يشير إلى أنه شخصية قيادية في غاية الأهمية، ومع ذلك لم يستطع أمن الملالي أن يحموه، وهذا يعني أن أمن دولة الملالي الداخلي في غاية الهشاشة، ويمكن اختراقه، والعملية لم تكن الأولى، وإنما السابعة التي يتعرض لها العلماء النوويين الإيرانيين من قبل الموساد، فقد سبقها ست عمليات اغتيال، ما يشير بقوة إلى أن هذه العملية لن تكون الأخيرة، وهذا يشيع جواً من الذعر لدى من يعملون في تطوير البرنامج النووي الإيراني، وأنهم مستهدفون، وجهاز حمايتهم الأمني ضعيف، أو ربما أن الجهاز نفسه مُخترق، ومتواطئ، ما جعل العملية تمر بهذه السهولة. وأنا أرجح وبقوة أن جهاز الحماية كان مخترقاً من المهاجمين، لأن إيران تمر بأوضاع اقتصادية مزرية، ومعدلات الفقر تتفاقم، الأمر الذي جعل الاختراق سهلاً لأولئك الذين يقضي الفقر على أغلبهم، ويجعل الفرد الأمني، وربما القيادات الأمنية أيضاً، على استعداد لبيع ما تم ائتمانهم عليه. يؤكد ذلك أن الموساد الإسرائيلي سبق وأن اخترق هذا المشروع، وحصل على وثائق نووية، كشفها نتنياهو في مؤتمر صحفي. الإيرانيون هددوا بالانتقام، والثأر لهذه الضحية التي تضاهي في أهميتها قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والذي تم قتله، مع أحد قادة الحشد الشعبي العراقي بصاروخ من طائرة مسيرة أمريكية، ورأينا كيف أن هذا الرد كان متواضعاً رغم الجعجعة والتهويل الذي هدد به الإيرانيون الأمريكيين. ولا أعتقد أن في مقدور الإيرانيين الرد، لأن هناك خوفاً وهلعاً من ضربات أمريكية لمحطات المفاعلات الإيرانية، ويخشى الملالي من إعطاء الأمريكيين أي فرصة لتنفيذ هذه الضربات، أضف إلى ذلك أن الإسرائيليينقصفون ميليشياتهم بشكل يكاد أن يكون دورياً ومبرمجاً، ومع ذلك لم يطلق الإيرانيون على إسرائيل ولا رصاصة واحدة؛ لذلك فأنا أتوقع أنهم سيلحسون كالعادة تهديداتهم، التي أرادوا منها في تقديري امتصاص الغضب الشعبي على النظام ليس إلا. وأنا أتمنى من كل قلبي أن يرتكب الملالي حماقة ويردون، حتى لو كان هذا الرد هزيلاً، لأن رداً كهذا سيجعل الفرصة مواتية لضرب المواقع الإيرانية، ضربة مدمرة. أضف إلى ذلك أن الرد سيخلط الأوراق، ويجعل إعادة التفاوض مع الرئيس الأمريكي المنتخب أكثر صعوبة.
وأخيراً أقول ها هي إيران تُظهرها إسرائيل بصورة النمر الورقي، التي لا تملك إلا النهيق والزعيق، أما (لحمتها) الداخلية، وقواها الأمنية، فهي منتهى الهشاشة والضعف، وهذه العملية متقنة التنفيذ تشهد على ما أقول.
إلى اللقاء