أحمد أمير محمد
التمويه: مفهوم ارتداء «المموه» لدى المنظومة العسكرية في أي دولة بالعالم يعني تأقلم الأفراد على البيئة الميدانية المحيطة لهم، عن طريق ارتداء الزي المناسب للبيئة، سواء كانت صحراوية أو زراعية؛ فالتكيف مع البيئة لكسب امتيازات، كالتخفي أو إرهاب العدو، يزيد من أهمية هذا التكتيك لدى المنظومة العسكرية.. مثلما قال «أحمد عز» في فيلم الممر: «البسوا المموه.. بيخافوا منه!». لكن المشهد الذي نراه اليوم هو لنظام حكم يستخدم عناصره كأدوات دبلوماسية، تخدم أهدافه الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
انتشرت قبل بضعة أيام أخبار تفيد بمحاكمة الدبلوماسي الإيراني «أسد الله أسدي»؛ إذ أكدت المحكمة الجنائية في بانتورب ببلجيكا أن أسدي كان رئيس وحدة التجسس الإيرانية في أوروبا، وقد أحالته إلى المحاكمة برفقة ثلاثة أفراد آخرين بتهمة التخطيط لعملية إرهابية، ومحاولة القتل مع سبق الإصرار والترصد. وذكرت المحكمة أن أسدي كان يخطط لعملية إرهابية بأوامر مباشرة من النظام الإيراني لقتل أكبر عدد ممكن من المشاركين في مؤتمر نظمته المعارضة الإيرانية في باريس أواخر شهر يونيو عام 2018م، وكان عددهم نحو خمسة وعشرين ألف شخص، من بينهم شخصيات أمريكية وفرنسية وأوروبية بارزة، ومعارضة للنظام الإيراني.
اللافت للنظر هنا أن أسدي كان السكرتير الثالث في السفارة الإيرانية في فيينا حينما تم القبض عليه في عام 2018م. وطبقًا لتأكيد المدعين العوام في ألمانيا، لم يكن الأسدي دبلوماسيًّا عاديًّا، بل ضابطًا استخباراتيًّا إيرانيًّا، يعمل تحت غطاء دبلوماسي. وذكروا في تصريحاتهم أن أسدي كانت له صلة بـ»وزارة الاستخبارات والأمن الوطني» الإيرانية، وكانت المراقبة المكثفة ومكافحة جماعات المعارضة داخل إيران وخارجها من محاور مهامه الرئيسية. وإضافة إلى شمول قرار المحكمة البلجيكية على أدلة تربط بين مخطط «الدبلوماسي - الاستخباراتي» من جهة، والمسؤولين المباشرين عنه في طهران من جهة أخرى، يمكن القول هنا إن النظام الإيراني أصدر أمرًا لـ»الأسدي» وعناصره بارتداء «المموه الدبلوماسي» لتنفيذ عمليات نوعية. وبالطبع هذه لم تكن المرة الأولى؛ بل سعى النظام الإيراني مرارًا وتكرارًا على مدار العقود الماضية وراء تنفيذ مثل هذه العمليات للإطاحة بالمعارضين الإيرانيين خارج حدود الدولة، فضلاً عن الاغتيالات والقمع الذي يمارسه في الداخل.
وعلى الرغم من تعارض هذه الأساليب مع جميع المقررات والقوانين الدولية إلا أن النظام الإيراني لا يزال مستمرًّا في سياساته التي تضعه في إطار «دولة إرهابية».
والعجيب حقًّا هو عندما نسمع كبار مسؤولي النظام الإيراني يتحدثون عن إرساء العلاقات الودية مع دول العالم، ويؤكدون أن مبادئهم الراسخة تدفعهم لمد يد الود والصداقة نحو دول الجوار، بل دول العالم بأسره.
ويبقى السؤال هنا: هل تمدون أيديكم بـ»السلام» أم بـ»السلاح» لقمع كل من يعارضكم؟
** **
- باحث مصري في الشأن الإيراني