الشيخ محمد بن عبد الله المانع أديب بارز، وكاتب فاضل من رجالات المؤسس النابغين، هو مترجم طرق فن الترجمة على أيام الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، حيث عمل رئيسا للمترجمين في الديوان الملكي، كما أنه بإزاء كونه رئيس المترجمين أيام المؤسس، قام بتأليف كتاب (توحيد المملكة العربية السعودية) باللغة الانجليزية، وصفة الباحثون ومريدو العلم وطلابه، بأنه من أدق وأجمل الكتب التي تناولت ملحمة توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس -طيب المولى أثره-، وهو کتاب فرد ووحيد لم يترك لنا سواه، ويقع الكتاب في طبعته العربية فيما يقارب أربعمائة صفحة، تناول فيها سيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان قد عمل مع المؤسس جنبا إلى جنب تسع سنوات فسحرته بطولاته وأسرته شخصيته، وكان الدافع الكبير، والعامل الجسيم من تأليفه له التعبير عن تقديره الخاص لذلك المؤسس الفحل، وقد كتبه بأسلوب جذاب أخاذ فيه دقة وعمق وسعة وإحاطة وشمول.
ولادته كانت في مدينة الزبير الكائنة بالعراق وكان ذلك عام 1903م، وأما مسقط رأس أسرته فهو مدينة جلاجل العامرة، وكان الانتقال بسبب ظروف اقتصادية، فوالده تاجر، بضاعته الخيول التي يشتريها من العراق وسوريا ولبنان ليبيعها إلى زبائنه من رجال سلاح الفرسان البريطانيين، وفي عام 1913م قرر والده الرحلة إلى الهند حيث بومباي فأكد العزم ونقل الأموال والتجارة واصطحب ابنه محمدا معه، وعاش المانع في بومباي اثنتي عشرة سنة، حيث تعلم في إحدى مدارسها فأتقن الإنجليزية ولغة الهنود الأردو بإزاء لغته العربية الأم، وفور الانتهاء من التعليم الثانوي لم يحقق ما صبا إليه والده من دراسة علم الطب في الجامعة، وفي الفترة التي عاش فيها الشيخ محمد المانع - عليه رحمه الله - في بومباي كانت الهند تعج بانتصارات وبطولات المؤسس - طيب الله أثره وثراه - والهنود كانوا يسمونه (السلطان عبد العزيز) وكانوا يشيدون بتوحيده للمملكة العربية السعودية، وإعجابه الشديد بشخصية الملك عبد العزيز قادته إلى قرارات رئيسية في حياته، منها قرار العودة إلى الزبير عام 1925م، حيث بدأ يمارس مهنة الصحافة في صحيفة موجودة في ذلك الوقت وهي (بصرة - تايمز) التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية.
في عام 1926م غادر الزبير حيث وصل إلى مكة المكرمة وهي مقر إقامة الملك عبد العزيز آل سعود، ليعمل مترجماً في الديوان الملكي، وعلى إثر ذلك أصبح رئيساً للمترجمين، وفي شركة الزيت (أرامكو السعودية) عمل كمقاول ممتهن لحرفة الترجمة، وأول مستشفى دشنه كان في المنطقة الشرقية عام 1949م، وكان مشروعه هذا يحمل اسمه فهو مستشفى المانع، والجدير بالملاحظة أن تراخيص المستشفيات في ذلك الوقت كانت بيد المؤسس نفسه، هذا ويعتبر أول من أنشأ مصنعا للثلج في المنطقة الشرقية في الأربعينيات والخمسينيات الميلادية، ثم أكمل مشواره ببناء المستشفيات - كما مر قبل قليل - وقد بنى في الخبر مستشفى للعيون، ويعرف عنه إعجابه بالطب الألماني، فأول مستشفى أسسه في الخبر كان العاملون فيه هم أطباء ألمان، وهو يعد بحق من أوائل المؤسسين لثقافة العمل الصحي بالمملكة العربية السعودية، ثم هو مؤمن إيمانا كبيرا بما للمرأة السعودية من أثر إيجابي وفعال في المجال الصحي، فهو من المؤسسين الأوائل الذي أشادوا بصرح تعليم المرأة السعودية، فأنشأ مع بعض رجال الأعمال مدرسة للبنات في مدينة الخبر، والتي تعد بحق النواة الأساسية للمدارس الخاصة، وهنا محطة مهمة لا بد من الوقوف عندها، وهي تتمخض في السؤال الآتي: كيف نشأت العلاقة بينه وبين الملك عبد العزيز؟ وتتضمن الإجابة الإشارة إلى طلب الشيخ محمد المانع من رئيس تحرير صحيفة (بصرة تايمز) والتي كان بعد من كتابها الإذن بإجراء حوار صحفي مع الوزير العراقي (عبد الله الدملوجي)، ومع المستشار (حافظ وهبة) بمناسبة زيارتهما لمدينة البصرة العراقية، ومن خلال حواره مع الوزير الدملوجي عام 1926م عبر له عن رغبته الشديدة في أن يتشرف بالعمل كمترجم للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - وتحققت بغيته، وكان له ما أراد حيث جاءت برقية تشير إلى تعيينه مترجماً في الديوان الملكي للمؤسس - رحمة الله عليه - وكان بدء عمله تحديداً في 26 مايو 1926 - 1344هـ، وكان عمله مع رئيس الديوان الملكي آنذاك الشيخ إبراهيم بن معمر، كما عمل كمترجم فوري في العديد من المناسبات الدبلوماسية، ومن ثم عين رئيساً للمترجمين، ثم مسؤولاً عن ترجمة الوثائق - والرسائل الصادرة باللغتين الإنجليزية والأوردية إلى اللغة العربية، هذا وقد ظل في عمله زهاء تسع سنين كان من خلالها شاهد عيان على أسفار المؤسس وحروبه وغزواته وبطولاته.
وقد حرك موته مشاعر الشعراء وقد رثي بقصيدة جميلة جاء فيها:
شقراء مالي أراك اليوم مظلمة
أجنك الليل أم تختالك السحب
تبكي ابن مانع لما جاء مخبرها
بموته فالمآقي منه تصطخب
بكت أحياء شقرى وهي خاشعة
حزناً يلوح على أحشائها اللهب
أكرم بأرض حوت في جوفها جدثاً
فيه السماحة والأخلاق والأدب
ويعتبر كتاب الشيخ المانع (توحيد المملكة العربية السعودية) من كنوز المؤلفات في الفترة الزمنية المتقدمة والتي عاش غمارها الشيخ بمرها وحلوها.. الجدير بالذكر أنه لم يبق لنا من آثاره الفكرية إلا هذا الكتاب الوحيد الفريد.
وعن اختياره - رحمه الله - للغة الإنجليزية عوضاً عن اللغة العربية ليكتب بها الكتاب جاء في مقدمته ما نصه: (حينما انتهت خدمتي في الديوان كان لدي الشيء الكثير مما يمكن أن أقوله عن تجاربي الخاصة وكان أصدقائي يحثونني على تأليف كتاب عنها، وظلت فكرة التأليف تراودني، لكني لم أشرع في تنفيذها إلا مؤخراً، ولعل مما دفعني إلى ذلك عدد من أصدقائي الإنجليز أخبروني بأنهم ملوا قراءة الكتب والمقالات التي كتبها العرب عن جزيرتهم، أوروبيون جعلوا من أنفسهم خبراء فيما يكتبون ويعتقدون أنه قد آن الأوان ليكتب مواطن عربي كتاباً باللغة الانجليزية يوضح فيه وجهة النظر العربية حول تاريخ بلاده الحديث، وهكذا بدأت تأليف هذا الكتاب الذي يجعل من توحيد جزيرة العرب موضوعه الأساس، ويروي قصة ابن سعود منذ استيلائه على الرياض سنة 1902م / 1319هـ حتى منتصف الثلاثينات من هذا القرن حينما بدأت ملحمة الزيت).
جدير بالذكر الإشارة إلى أن الكتاب حظي بترجمة عربية من قبل المؤرخ الدكتور عبد الله الصالح العثيمين وبعد حياة حافلة بالجد والعطاء فارق -رحمه الله- الحياة عن عمر جاوز الخمسة والثمانين عاما، وكانت وفاته سنة 1987م في مدينة الخبر، أسبع الله عليه وابل الغفران، ورحمة رحمة الأبرار.
** **
- حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل: ص. ب. 54753 - الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com