عبدالعزيز السماري
إنّ نمو التسوق عبر الإنترنت يجعل التجارة الإلكترونية واحدة من الصناعات القليلة التي لم تتأذَّ نسبيًّا من ضغوط وتحديات عام 2020 فحسب، بل أظهرت أيضًا نموًّا لا يُصدق بسببها، وهو ما يعني ارتفاع تجارة الشحن.
وستكون التحديات القادمة على خدمات الشحن البريدي؛ فالبضائع أصبحت تأتي من مختلف أنحاء العالم، وخصوصًا من الدول الصناعية، القادرة على ترويج بضاعتها ونقلها إلى مختلف دول العالم.
الخاسر الأكبر هو التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث؛ لأنهم لا يملكون أدوات الصناعة والتجارة، وستحولهم ثورة التسوق من خلال الإنترنت إلى مستهلكين من الطراز الأول؛ فالأسعار أرخص، وتصل الآن في فترة زمنية مقبولة، وقد تتحسن في المستقبل عندما تفتح الأسواق الكبرى مخازن لها في هذه الدول.
خسارة السوق المحلي للمتسوقين في الدول ستزيد من نسب البطالة، ولن تستطيع موارد الطبيعة في المستقبل أن تكون العمود الفقري في اقتصادات العالم الثالث، وهو نتيجة لفشل التنمية وتشجيع الصناعة الاستهلاكية، التي تقوم بصنع متطلبات الحياة من الملابس إلى الأجهزة، فضلاً عن المعدات الطبية والأودية.
لأسباب لا أفهمها، لماذا لم نبدأ مثلما بدأت كوريا الجنوبية في توطين الصناعة، وتشجيع الابتكار في هذا المجال؛ وهو ما جعل من دول آسيا تقفز إلى المراكز الأولى بسبب تشجيع الموارد البشرية، ونقل المصانع وتوطينها بالعمالة الوطنية المدربة؟
أصبح التسوّق عبر الإنترنت وسيلة فعّالة لتعزيز الاقتصاد من خلال زيادة الطلب، وتوسيع الاستهلاك، وتعزيز التوظيف في الدول المنتجة، بينما يؤدي إلى العكس تمامًا في الدول المستهلكة، وقد يؤدي إلى تدهور التجارة المحلية، في ظل عدم وجود تشجيع ورفع مستوى جودة المنتجات المحلية، ودعم نموها..
قد تعود تجارة الإنترنت بالنفع على المستهلك، لكنها على المدى الطويل ستقتل السوق المحلية؛ فالمنافسة مع الدول المنتجة تحتاج إلى نقلة نوعية في اقتصادات العالم الثالث، وهو ليس بالأمر بالسهل إذا استمرت أساليب قديمة في إدارة الاقتصاد.
خلال تاريخنا الحديث ذهبنا بعيدًا في الإيمان بحرية التجارة، التي كان لها تأثير إيجابي لدول مثل الصين وكوريا الجنوبية، بينما خسر الذين توقفوا عن تنمية الموارد البشرية وبدء صناعة منافسة لهذه الدول، الذين برعوا في التجارة بمختلف أنواعها. فهل نستطيع اللحاق بهم أم نكتفي بلعب الشرطي الذي يؤمّن لهم طرق حرية التجارة؟
لا شك أننا نحتاج أكثر مما مضى إلى عقول مبتكرة لقلب المعادلة الحالية؛ فالطاقة الشابة التي تشكل الأغلبية من السكان يجب تجنيدها في المشاريع العملاقة لتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج، وإلا سنظل نعتمد على الموارد الطبيعية، وتدوير دخل الإنسان في حلقات، تؤدي في نهاية الأمر إلى تآكل مدخرات المواطن؛ لأن الاستهلاك مقابل إنتاج أقل يقود مع مرور الزمن إلى الفقر وضمور الطبقة المتوسطة.